قطر.. الوسيط الأكثر قبولاً في المنطقة يحقق اختراقاً مستعصياً
في أول نجاح دبلوماسي لوزير الخارجية القطري الجديد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أعلنت قطر، الجمعة، إفراج السلطات الإريترية عن 4 أسرى من جيبوتي بعد نجاح وساطة قطرية بين البلدين.
وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية: إن الإفراج عن الأسرى "تم بفضل تجاوب الأخوة في إرتيريا مع المساعي والجهود القطرية التي بذلها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع إخوانه في إرتيريا وجيبوتي".
وفي عام 2010، توسطت دولة قطر بين إرتيريا وجيبوتي بعد الحرب التي اندلعت بينهما في عام 2008، ونتيجة للوساطة القطرية، أطلقت جيبوتي سراح مئات السجناء الإريتريين وسلمتهم للأمم المتحدة، ولم تطلق إرتيريا أي أسير جيبوتي لديها آنذاك.
ويأتي هذا النجاح ليتوج سلسلة طويلة من الإنجازات حققتها الدبلوماسية القطرية على مدار الفترة الماضية؛ إذ نجحت الوساطات القطرية في الإفراج عن المختطفين اللبنانيين في إعزاز قرب حلب، وبعد ذلك نجحت في إنهاء أزمة راهبات معلولا اللواتي تركهن النظام السوري، وتاجر بمعاناتهن.
امتدت جهود قطر سابقاً لتشمل الإفراج عن الصحفي الأمريكي "بيتر ثيو كيرتس" الذي اختطف في سوريا، وتمكنت، كذلك، من المساعدة على التفاوض على تبادل الجندي الأمريكي مع خمسة من سجناء "طالبان".
كما نجحت قطر في إطلاق جنود فيجيين من قوات حفظ السلام في سبتمبر/ أيلول 2014، تم احتجازهم في الجانب المحرر من الجولان السوري.
وبينت الدوحة آنذاك أن "المساعي القطرية في الإفراج عن 45 جندياً من فيجي جاءت انطلاقاً من إيمان دولة قطر بمبادئ الإنسانية، وذلك عقب طلب حكومة جمهورية فيجي الوساطة القطرية".
إذن ما سر تلك النجاحات المتتالية؟
هذا السؤال أجاب عنه وزير الخارجية القطري السابق، الدكتور خالد العطية، في مقال سابق نشره موقع "سي إن إن"، قال فيه: "إن دولة قطر لا تطالب بأن تكون لاعباً رئيساً على الساحة الدولية، لكنها ومنذ بداية منتصف التسعينات تبنت حكومتها سياسة الباب المفتوح التي تركز على بناء علاقات، والتوسط في حل النزاعات، وهو ما استفادت منه قطر وكذلك المجتمع الدولي"، مضيفاً "أن سياسة الباب المفتوح هذه سمحت لدولة قطر بأن تعمل كوسيط في المحادثات، وفي التعاون والنهوض بالسلام".
وأشار إلى أن دولة قطر، وبسبب أبوابها المفتوحة على مصراعيها، أصبحت الدوحة وبشكل متزايد مركزاً حيوياً جديداً يموج بتنوع الثقافات، وبإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة باعتبار أن ذلك يعد واحداً من الأهداف الرئيسة لرؤية قطر الوطنية 2030.
وقال العطية: "إن دولة قطر وبسبب موضوعيتها وعدم تحيزها؛ فإنها غالباً ما تلجأ إليها الأطراف المختلفة للتوسط بينها وإيجاد منبر للحوار، وكمثال لذلك استطاعت قطر في عام 2008 التوصل لاتفاق سلام في لبنان بين الفصائل المختلفة التي كانت تقاتل من أجل السيطرة على جنوب لبنان، كما لعبت قطر في وقت لاحق دوراً مماثلاً في دارفور، وأبقت قطر أبوابها مفتوحة لمؤسسات الفكر والدراسات الغربية مثل معهد بروكينغز".
وأكد الدكتور العطية أنه في كل حالة تشعر دولة قطر أنها على الجانب الصحيح من التاريخ؛ لإيمانها بالعدالة وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وأن كل تلك المميزات والصفات هي في محك غزة اليوم، وأنه مرة أخرى فإن "التاريخ هو الذي سيحكم على أعمالنا".
واختتم وزير الخارجية مقاله بالقول: "إن دولة قطر تقف مستعدة للمساعدة في تسوية الخلافات، وتعزيز احتمالات السلام، وإنها تقف على أهبة الاستعداد للقيام بدورها في تعزيز الحوار والتوصل إلى حلول للمشاكل التي تبدو مستعصية، والتي تواجه شعوب الشرق الأوسط، ومن بعض هذه المشاكل أزمة غزة المستمرة منذ سنين، بل منذ عقود؛ لكن كل ذلك لا يعني أنها لا يمكن أن تُحل.. إن نزيف الدم والمعاناة والموت يجب أن يتوقف".
وخلال سنوات الربيع العربي، ثبتت قطر أقدامها على الساحة الدولية، بعد أن أظهرت سياسة خارجية معتدلة وديناميكية في الوقت نفسه، ما مكنها من التعاطي السلس مع قضايا إقليمية ودولية معقدة؛ دبلوماسية براغماتية، تبنت لغة الحوار واحترام الشرعية الدولية.
.