صفحات من تاريخ جنوب اليمن : السياحة في الضالع

في تقرير صادر عن حكومة إتحاد الجنوب العربي عام 1963م عن حالة السياحة في الضالع يضعنا أمام تفاصيل مثيرة وغائبة عن أذهان الكثيرين من أبناء جيلنا والجيل المعاصر, ويستعجب المرء عندما يتغلغل في هذه التفاصيل ويتساءل, هل كانت هناك سياحة فعلية في الضالع..؟!! لما يراه من الحالة التي وصلت إليها بعد الإستقلال وحتى يومنا هذا .. ويأتي الجواب المباشر من خلال هذا التقرير المفصل بنعم..!! نعم كانت هناك سياحة منظمة ونسرد لكم تفاصيل دقيقة عنها, وكيف كانت تجذب السياح الأجانب والمحليين إليها وخصوصاً في الأشهر من أكتوبر إلى فبراير, ولنعرج معاً وندخل إلى عمق تفاصيل الضالع وصفها أحد الإنجليز قائلاً: "عندما يترك المرء الطائرة فوق الهضبة الطويلة والمزروعة التي يبلغ ارتفاعها خمسة آلاف قدم حتى يشعر وكأن كأساً من الشمبانيا الطرية والفوارة قد قدمت إليه في الهواء الطلق."
ومن مطار الضالع تنقل الزائر سيارة أجرة هي عبارة عن سيارة لاندروفر قوية مزينة بأوراق ملونة وجرس عيد ميلاد مصنوع من الورق بصورة غير متوقعة فوق طريق مرصوفة بالحجارة الصغيرة مارة عن قرب بحقول الذرة المزروعة بحرص وعدد من المنعطفات الدائرية التي تطل كل منها على منظر هذه المدينة الجميلة. ويصف التقرير الفندق السياحي الوحيد في المدينة: يعتبر (دار الضيافة) كما كان يُسمى بمثابة مفاجأة سارة لأسباب منها, مظهره الذي يشبه إلى حد كبير منزلاً في الريف الإنجليزي بطلائه الأبيض وبنائه المتين من الخارج وغرف نومه المريحة ودواليب الملابس العديدة وسعة الدروج من الداخل, وهناك أيضاً غرفة استقبال مؤثثة تأثيثاً كاملاً مع عدد كبير من المجلات والكتب وجهاز راديو وصندوق مليء بمختلف معدات الألعاب لقضاء بعض الساعات في المساء. ويوجد بلكون مغطى فوق مدخل الفندق مع كراسي حديثة وطاولات تجعله من الأماكن التي تبعث على السعادة والتي تطل على منظر الأراضي الممتدة والتلال المتموجة والأودية المزروعة القريبة وبرج وجدران قصر الأمير التي تثير الخيال الرومانتيكي.
وفي وصف لمدينة الضالع يشير التقرير في طياته: بأن مدينة الضالع تقع في الجانب الأيمن على صخرة شديدة الانحدار وتتألف من مبان مربعة من نفس لون الأرض الصخرية ذات سطوح حجرية غير مصقولة. كما يوجد إلى الجانب الأيمن منظر بعض المزارعين الذين يلبسون العمائم الملونة في الحقول وهم يقودون الأثوار في عملية دائرية حول الآبار لسحب المياه التي تعتبر من أثمن السلع في هذه المنطقة. ولا يكتفي السيد محمد سعيد مدير الفندق باتخاذ كل ما يمكن في سبيل إراحة النزلاء بالإضافة إلى خبرة في إدارة الفندق فهو طباخ ماهر أيضاً, ويقوم بإعداد المأكولات اللذيذة. ويقدم الفندق شاهي الصباح لنزلائه بالإضافة إلى الوجبات اليومية الثلاث الرئيسية في غرف النوم. كما يقدم شاهي بعض الظهر وهي عادة إنجليزية عريقة. أما في غرفة النزيل توجد مرافق صحية حديثة بما فيها مكان للاستحمام وحوضان للمياه, ويقوم الموظفون في حالة نقص المياه بتوفير كميات المياه الحارة عند الطلب, كما يمكن طلب المشروبات الباردة جداً في الفندق ويقدم اللبن بعد وجبتى الغذاء والعشاء.
ويقوم الفندق أيضاً بتنظيم رحلات شيقة على ظهر سيارة اللاندروفر وكلما أزداد عدد أفراد كل فوج سياحي كلما كانت أجورها زهيدة لكل فرد. كما تنظم رحلات إلى قمة جبل جحاف الذي يبلغ ارتفاعه ثمانية آلاف قدم فوق سطح البحر وثلاثة آلاف قدم فوق هضبة الضالع. وتعتبر الرحلات مثيرة ومخيفة غير أن المنظر من فوق القمة لايمكن أن ينسى من روعته وجماله الطبيعي. كما ينظم الفندق رحلات مثيرة إلى حصن سناح عبر واد يقع بين الحد الفاصل للإتحاد واليمن الذي يطل منه الحصن اليمني الواقع على مرتفعات شاهقة. وتنقلك هذه الرحلات عبر مناظر مختلفة جميلة لأودية مزروعة وممرات تظلها الأشجار وتلال صخرية, وبين مزارعين مدججين بالسلاح يعملون في الحقول أو يركبون الحمير لصعوبة الممرات الحجرية المؤدية إلى قراهم الواقعة على ارتفاعات كبيرة.
وترافق عربة اللاندروفر على الدوام فصيلة من الحرس الوطني الإتحادي في هذه الرحلات, كما يرحب الحرس الذين يقيمون في الحصون بالزوار أجمل ترحيب بدعوتهم إلى الاحتماء من وهج الشمس في غرف باردة في قمم الحصون حيث تنتشر البطانيات على الأرض ويقدم الشاهي لهم كمرطب.
يواصل التقرير في وصف مدينة الضالع قائلاً: "أن هذه البلاد هي عبارة عن جنة للمصورين لما فيها من متناقضات في اللون والضوء والظلال وتوفر فرصاً سانحة لتصوير المناظر الفريدة في بلد كانت حتى وقت قريب عبارة عن منطقة جرداء لا أقل ولا أكثر بالنسبة للزوار في الخارج."
أما يوم الخميس هو يوم التسوق في الضالع حينما تزدحم المدينة بالمزارعين والتجار الذين يفدون من كل مكان مع الماعز والحمير والجمال والملابس والسلع العديدة الأخرى التي تُعرض للبيع, ويتحول هذا المنظر إلى منظر سينمائي ملون بمظهر الرجال الذين يلبسون مختلف أنواع الحلل والعمامات الملونة والمختلفة باختلاف مناطق البلاد والذين يحملون البنادق على أكتافهم ويلبسون أحزمة الرصاص في خصورهم و "الجنابي" المزخرفة التي تكمل الصورة. ويعرض الباعة مختلف أنواع سلعهم على الأرض بينها أكوام البرتقال والليمون والبلح والصفيح والقلادات والأسورة الخرزية الزهيدة الثمن. ويجلس صاغة الفضة في الشوارع الخلفية الضيقة القرفصاء في دكاكينهم يعملون بكد في تشكيل الأسورة والقلادات والخواتم الفضية ذات الأثمان المعتدلة جداً والتصميمات غير العادية.
لقد كانت الضالع مثلها مثل معظم الأراضي الداخلية لإتحاد الجنوب العربي ممزقة حتى وقت قريب بالحروب القبلية والتهديدات الموجهة من الحدود اليمنية, ولهذا السبب يوجد حارس دائم في الفندق. كما تقوم بحراسته ليلاً فصيلة من الحُراس هم من أفراد الحرس الوطني الإتحادي ذوي الصفات المرحة والودية والترحيبية الذين يساهمون بدورهم في جعل إقامة النزيل مريحة ومأمونة. وتعتبر تكاليف الزيارة لهذا الجزء غير العادي والمخصص من البلاد زهيدة بصورة مذهلة إذ تكلف الرحلة ذهاباً وإياباً بطيران خطوط عدن الجوية لجماعة تتألف من ثلاثة أشخاص أو أكثر مبلغ وقدره 85 شلناً وتستغرق الرحلة إليها حوالي 35 دقيقة, كما تكلف الإقامة في الفندق مبلغ وقدره 35 شلناً لليوم الواحد, ويفرض أجر معتدل للنقل بسيارة اللاندروفر من المطار إلى الفندق والعكس. وتغادر الطائرة عدن في الوقت الحاضر في الساعة التاسعة صباحاً من يوم الخميس وتعود من الضالع في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأحد, وتظل التذكرة مفتوحة لمدة سبعة أيام, وعليه يمكن للمرء أن يقضى أما ثلاثة أيام أو أسبوعاً في ربوع الضالع بواسطة المواصلات الجوية. ويمكن إجراء عملية الحجز للرحلة والفندق عبر مكاتب الحجز في ولاية عدن...
ملحوظة: أتقدم بالشكر الجزيل للأخ شايف الحدي لتزويده لي بصور خاصة عن الضالع.
.