زواج القاصرات.. ورودٌ تُقطَفُ قبل أوانها
لو سمع أحدُنا في أيّامنا هذه بفتاةٍ يريدُ أهلها تزويجها وهي لازالت بعمر الطفولة، لاستنكرَ الأمر ورفضهُ رفضاً قاطعاً، فزواج القاصرات هو حكمٌ بالإعدام والموت البطيء نفسياً ومجتمعياً وفكرياً وجسدياً..
إلا أنّ تلك الظاهرة كانت موجودةً لدى الشعوب القديمة، بما فيها الرومان والإغريق والصينيون.. وغيرهم!، فهي إذاً فكرةٌ مثوارَثة تحكمها العديد من القناعات المتأصّلة، وليست طارئةً على عالمنا.
حتى أنّها استمرّت إلى بدايات القرن العشرين، عندما بدأت بعض الحكومات تسنُّ قوانيناً لردعها وتحديد السّنّ الذي يُسمح فيه الزواج بحيث لا يقلُّ عمر الفتاة عن 18 عاماً، أو بثلاث سنين بعد سن البلوغ.
وعلى الرّغم من تلك القيود والقوانين التي حاولت حماية طفولة الفتاة وصون براءَتها، إلى حين “نضوجها” ليس جسديّاً فقط، بل عقليّاً أيضاً وفكريّاً وروحيّاً ونفسيّاً، ونموّ وعيها وإدراكها إلى المدى الذي تصبح فيه قادرةً على خوضِ مرحلة الزّواج، وتحمّل أعبائها ومسؤوليّاتها بما فيها إنجابُ أطفالٍ أصحّاء، وامتلاك الثقافة والوعي الكافي لتربيتهم بالطريقة الأفضل، مازالت تلك الظاهرة تنتشر بشكل كبير في بعض الدّول، ونخصُّ بالذّكر دول العالم الثالث أو “الدول النّامية” بما فيها الدول العربيّة، حيثُ تشيرُ التقارير والإحصائيّات التابعة لمكاتب الأمم المتحدة بأنّ واحدة من أصل ثلاث فتيات في المناطق النامية من العالم تزوجن قبل بلوغ سن 18، ويقدر أن 1 من كل 9 فتيات في البلدان النامية تزوجن قبل سن 15 عاماً.
وتشير الإحصائيات ذاتها إلى أن أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعاً للفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 في البلدان النامية هو الحمل والولادة، وذلك رغم صدور قوانين لحماية الأطفال المعرضين لخطر الاستغلال بتحديد سنٍّ قانوني للزواج.
وفي السنوات القليلة الماضية انتشرت موضة زواج القاصرات في مخيّمات اللجوء التي تؤوي اللاجئين، مثل مخيّمات اللاجئين الأفغان في الباكستان ومخيّمات اللاجئين السوريين المهجّرين من أرضهم تحت وطأة الإرهاب والحروب،
فقد وجدت تلك العائلات نفسها مجبرةً تحت ظروفٍ قاهرة إلى تزويج بناتها القاصرات للأثرياء، لضمان “السترة”، وإبعادهن عن حياة المخيم الذي تتعرّض فيه الفتيات للتحرّش والاغتصاب.
وفي حالاتٍ أخرى تقوم بعض العائلات الشرقيّة والمحافِظة التي هاجرت للعيش في بلدانٍ غربيّة، بتزويج بناتها القاصرات بعقودٍ شرعية غير مسجّلة في الدّوائر الرّسميّة، لحمايتهنَّ من العادات الغربيّة التي تسمح بعلاقاتٍ جنسيّة خارج إطار الزّواج.
وفي هذا السياق يرى الأطبّاء النفسيّون أن الزواج المبكر يمنع الفتاة من متابعة تعليمها، وعندما تقارن نفسها بزميلاتها تشعر بالنقص، فربّما تشعر الأسرة باكتمال جسدها ولكنه في الحقيقة لم ينضج بعد.
كما أن زواج البنت فى سن مبكرة لا يتيح لها تلقي أي شكل من أشكال الثقافة الجنسية، فهي لا تملك القدرة على استيعاب حيثيات البلوغ فى هذه السن الصغيرة وقد تصدم من الاتصال الجنسى المبكر، فيكون الزواج بالنسبة لها شكلاً من أشكال الاغتصاب، حيثُ تصاب بالخوف الشديد والتشنجات، وربّما يترك ذلك أثره في نفسها إلى بقيّة حياتها، لينتج عنه شخصيّةٌ مهزوزة لا بدَّ أن تتجلّى في طريقة تربيتها لأطفالها مستقبلاً.
.