دولة المخبرين.. إيران تحارب ‘المنكر’ بجيش رديف
بدأ حوالي سبعة آلاف مخبر باللباس المدني بين رجال ونساء، القيام بدوريات، الاثنين، في شوارع طهران لمحاربة “المنكر” خصوصا عدم ارتداء الحجاب حسب الأصول أو مضايقة النساء، حسب ما أعلن عنه قائد الشرطة في العاصمة الإيرانية.
ورغم أن ارتداء الحجاب أصبح إلزاميا في الشوارع الإيرانية بالنسبة إلى الإيرانيات كما للأجنبيات بغض النظر عن الديانة، وذلك منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنه خلال السنوات الماضية، حدث بعض التراخي في التزام النساء بالزي الرسمي.
وبات الشارع الإيراني وخاصة شوارع العاصمة والمدن الإيرانية الكبرى يقدم فسيفساء من الأزياء والألبسة النسائية التي تختلف باختلاف الأذواق والانتماء والمستوى التعليم والمكان وغيرها.
فتجد نساء يرتدين الزي الرسمي بالتزام وهن في الغالب إما منتميات إلى عائلات ومناطق محافظة ومتدينة وإما يعملن في المؤسسات الحكومية مثلما تجد شابات ونساء يرتدين ملابس ضيقة يقدن السيارات وشعرهن مكشوف كما تجد من تحاول الإيهام بأنها ملتزمة باللباس الرسمي لكنها تسقط غطاء رأسها على كتفيها وتكشف مقدمة الشعر وتتبرج بالزينة، وهي مشاهد تزايدت في شوارع العاصمة والمدن الكبرى في المحافظات بشكل لافت.
الإيرانيات يحاولن التمرد على القوانين المتشددة التي تحرمهن من حريتهن في اللباس وفي اختيار المظهر الذي يرغبن في الظهور به في الشوارع وفي الفضاءات العامة ويحاولن الخروج من حلقة الزي الرسمي بكل الطرق ويعبرن عن رفضهن للتضييق على جميع حرياتهن ومكاسبهن بالتمرد ليس فقط على ارتداء الزي الرسمي الإلزامي بل بانتهاج سلوكات أخرى تعبر جميعها عن رفض واقعهن.
فتجد منهن من يقصدن المقاهي والمحلات الممنوعة خلسة ومنهن من يستهلكن المخدرات والممنوعات وأيضا من يخرجن رفقة شبان لا يربطهن بهم صلة قرابة وأيضا منهن من يمارسن الفنون الممنوعة مثل الرقص ومن يستمعن للموسيقى الغربية الصاخبة الممنوعة…
هذه التصرفات وغيرها تعد جميعها تعبيرات بأشكال وطرق مختلفة عن رفض الإيرانيات لسياسات القمع والزجر التي تطبقها الدولة تجاههن وهن يتقاسمن هذا التمرد مع الشبان الذين بدأوا يقبلون على المحرمات والممنوعات بجرأة أكبر ويعبرون عن رفضهم أيضا لتحكم وتدخل السلطة في تفاصيل حياتهم وفي اختيار هيئاتهم وفي حلاقة الشعر التي يريدون.
لكن ما أعلنه قائد الشرطة في العاصمة الإيرانية عن تعيين مخبرين مدنيين يقومون بدوريات لمحاربة المنكر في طهران ينبئ بأن الطريق مازال طويلا وأن المسافة التي تحول دون الإيرانيين وحرياتهم طويلة.
وقد قال الجنرال محسن ساجيدينيا لوكالة أنباء ميزان التابعة للسلطة القضائية في إيران إن “الدوريات باللباس المدني بدأت أعمالها انطلاقا من الاثنين في كل المدينة”، وأضاف أن مهمة هذه الدوريات هي مراقبة “سوء ارتداء الحجاب والأصوات الصاخبة ومضايقة النساء وعدم احترام ارتداء الحجاب في السيارات”، موضحا أنه مع ذلك لا يحق لهؤلاء المخبرين التحرك من تلقاء أنفسهم بل عليهم رفع تقرير بهذه الحالات إلى الشرطة.
وكانت الشرطة الإيرانية قد أعلنت بدورها في نوفمبر أن السيارات التي تقودها نساء أو يتواجد فيها نساء غير محجبات أو لا يرتدين الحجاب حسب الأصول ستحتجز لمدة أسبوع، وشددت الشرطة أيضا الإجراءات ضد السائقين الخطرين أو الذين يشربون الخمر أو يتعاطون المخدرات.
كما أعلنت عن نظام جديد يسمح “للأشخاص الموثوق بهم” إبلاغ الشرطة عن هذه الجنح. وقد يكون هؤلاء الأشخاص من “المسؤولين في الإدارة أو في القوات المسلحة أو رجال شرطة بلباس مدني”. إن توسيع دائرة المراقبين إلى الأشخاص الموثوق بهم فقط من طرف السلطات الإيرانية والشرطة يدل على السعي الرسمي المحموم نحو المزيد من تضييق الخناق على الإيرانيين والسيطرة عليهم وتكبيلهم بالقوانين التي تسخر لتطبيقها موارد بشرية ومادية هامة بهدف خدمة أجندات سياسية ودينية معينة ترمي الحكومة والمحافظون ورجال الدين إلى تحقيقها بغرض إحكام قبضتهم على المجتمع وتكبيله بالقوانين والضغوط والرقابة حتى لا يتمكن من التعبير عن رفضه واحتجاجه لنمط المعيشة المفروض عليه حتى عبر اختيار اللباس أو ممارسة سلوك مرغوب فيه أو نشاطات ثقافية وفنية يمكن أن تشكل بداية الطريق نحو ثورة تقوض الأوضاع والحكم.
وعلق المواطنون الإيرانيون وخاصة منهم الشباب الطامح إلى الانفتاح وإلى متعة الحياة آمالا وطموحات كثيرة قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو 2013 التي انتخب حسن روحاني رئيسا للبلاد على إثرها وكان اتصافه بأنه رجل دين معتدل إحدى أقوى النقاط التي تقف وراء فوزه بالانتخابات كما أن دعواته أثناء الحملة الانتخابية إلى المزيد من الانفتاح السياسي والاجتماعي خصوصا في ما يتعلق باحترام ارتداء الملابس بحرية جعلته يحظى بأصوات الناخبين الشباب التائقين إلى التحرر وإلى الحرية وإلى تحسين أوضاعهم المعيشية غير أن الواقع يكشف يوما بعد يوم أنه لا مجال لتحسن الأوضاع المعيشية ولا لكسب الحريات والحقوق التي يلهث وراءها المواطن الإيراني، ولم تتغير سياسات الدولة ونزعتها نحو فرض سيطرتها وتسيير شؤون البلاد والعباد بالقوة والدكتاتورية.
.