"وجود" تدعو إلى تطوير مناهج التدخلات النفسية لضحايا الانتهاكات
عدن/خاص- عاد نعمان
تعتبر مؤسسة "وجود" للأمن الإنساني تجربتها العملية من خلال أنشطة مشروع "رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الدعم النفسي للضحايا" خطوة مهمة في طريق سعي طويل ومستمر لتكوين اتساق عام من أجل حماية حقوق الإنسان، بين تحديد نوعية الانتهاكات من فظائع الحرب وعواقبها التي فرضت مواجهة ظروف صعبة وتأثيرها السلبي على أغلب مظاهر الحياة، وأهمية العمل على التدخلات النفسية بتقديم الدعم النفسي للضحايا، بما يضمن استيعاب أكبر لمعاناتهم بالحصول على معرفة في فهم المواقف الصعبة التي واجهوها، ومساعدتهم بالتعامل معها، وفهم مدى القدرة الذاتية للضحايا وما بذلوه بتحملهم للمعاناة لتجاوزها.
ورغم أن تنفيذ المشروع بمرحلته الأولى تزامن مباشرةً مع إنهاء الحرب في محافظة عدن وما ترتب عنها من ويلات بخسائر فادحة؛ إلا أن متغيرات الظروف التي أعقبت مع تنفيذ المرحلة الثانية أظهرت أن الانتهاكات والمعاناة لم تنتهِ، وإنما أدت أيضاً إلى مضاعفة أعداد الضحايا، ومع صعوبة تحقيق بيئة مستقرة لمرحلة ما بعد الحرب على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، ناهيك عن دورها في بروز التعقيدات لإعادة بناء المجتمع في ظل بيئة محدودة الموارد ومهددة بمستوى مرتفع من مخاطر العنف المحدق والانفلات الأمني، وغيرها، وكل ذلك زاد من تأثير الصدمات والضغوط، التي امتزجت فيما بينها بصورة مزمنة ومتفاقمة؛ إلا أن مواصلة عملية تقديم الدعم النفسي لم تتأثر؛ بل أن خطتها سارت بانتظام، وفي المقابل لم تؤثر كثيراً بإقبال الضحايا؛ إلا لدى البعض، وبالأخص من أعاقتهم الظروف الأمنية.
تخلل المشروع عقد 275 جلسة دعم نفسي لعدد 275 ضحية، حيث بلغ عدد المستفيدين من الإناث 132 وعدد الذكور 143، توزعت بين 232 جلسة فردية، شملت 108 إناث، و124 ذكور، بواقع 4 إلى 5 جلسات في اليوم الواحد، تستهدف من 4 إلى 5 ضحايا، وتستغرق مدة الجلسة الواحدة من الوقت من 30 إلى 45 دقيقة، بالإضافة لعقد 6 جلسات جماعية، بواقع ثلاث جلسات جماعية لعدد 24من الإناث، وثلاث جلسات لعدد 19 من الذكور، كما شمل الدعم النفسي جلسات الإعادة لعدد 13 ضحية منهم 8 إناث و5 ذكور، في 13 جلسة فردية، ومن جانب آخر قدم أخصائيو الدعم النفسي بالمشروع أربع زيارات ميدانية للضحايا الذين لم يتمكنوا من الحضور بسبب الإعاقة أو الاعتقال، كذلك طلب الضحايا حضور الأخصائيين إلى أماكن تواجدهم.
ضمت عضوية فريق الإخصائيين النفسيين في المشروع كلاً من مقدم ومعد البرامج الاجتماعية التفاعلية بإذاعة راديو "لنا" الإعلامي محمد إسماعيل، والدكتورتين نور الكوني وأحلام العمودي، المتخصصتين بالعلاج النفسي في دار "الرعاية الاجتماعية"، تدرج مستوى التدخلات النفسية ذات الطابع الاجتماعي، بشكل تصاعدي ابتداءً بتنمية المجتمع، ومروراً بتعزيز شبكات الاتصال وبناء الدعم المتبادل والاستشارة، وانتهاءً بالتدخلات العلاجية، وتوافق ثلاثتهم في جلسات تقديم الدعم النفسي الفردية والجماعية على آلية موحدة؛ لإدارتها وتسيير أعمالها، وتعددت أشكال الدعم النفسي أثناء الجلسات بين الاسترخاء والتنفيس الانفعالي وحسن الاستماع للحالة؛ لإشعارها بالراحة والطمأنينة، والتفاعل معها، وتهوين الأمور تجنباً لزيادة الضغط النفسي، وتقديم بعض النصائح لها، والتخلص من الافكار والمشاعر السلبية، واستبدالها بإيجابية.
وفيما يتعلق بالتوصيات المقدمة من الإخصائيين النفسيين تجاه الحالات، فإن كل جلسة دعم نفسي كانت تختتم أعمالها بجملة من الأنشطة والاجراءات المقترحة، تساهم بالتقليل من الصعوبات التي تعيق استعادة الحالة لحياتها الطبيعية، منها: تشجيع العودة إلى العمل أو المدرسة، أو إيجاد بديل، أو تغيير السكن الحالي، والاختلاط بالمجتمع، وممارسة أنواع مختلفة من الألعاب الرياضية كالمشي وبعض التمارين السويدية الخفيفة، وتمرين التنفس العميق، ومشاهدة البرامج التلفزيونية الترفيهية، والاطلاع على الكتب التي تساعد على بناء الثقة مع النفس، واكتساب المعرفة بما يتناسب مع السن، وزيارة الأقارب والأصدقاء؛ للخروج من العزلة، وقضاء أكبر وقت ممكن مع أفراد الأسرة؛ لتقديم الدعم والاهتمام للحالة، والمساعدة بإيجاد أصدقاء جدد، وتنمية الهوايات والمهارات، والعرض على دكاترة اختصاصيين، والخضوع للفحوصات الطبية اللازمة.
إن إثبات أهمية الدعم النفسي يمكن قياسه من التجربة العملية بالمشروع، بما حققه من فائدة بالنسبة للضحايا المستهدفين بأنشطته، ومجموعة من القصص التي تكللت بالنجاح؛ إلا إن ذلك يظل جهد أولي، ولا يعني بأنه الجهد الوحيد الذي تحتاجه الضحايا؛ للمساعدة فيه، حيث أن هناك من الضحايا حتى مع الدعم النفسي إلا إن احتياجاتهم لإعادة بناء حياتهم تسيطر على مراكز تفكيرهم، خاصة مع صعوبة قدرتهم في توفيرها وتأمينها، مما يفرض ظروفاً جديدة تفوق وتضعف ضمان استدامة تأثير الدعم النفسي بالضحايا، والأمثلة على ذلك كما في إهمال العلاج الطبي للجرحى، وفقدان المأوى، وفقدان العائل أو مصدر الدخل، وغير ذلك.. كما في عدم ضمان الاستقرار، واستمرار العنف والتهديدات الأمنية، ومن هذا المنطلق فإن "وجود" تكرر الدعوة للضغط على الحكومة وكافة شركاء اليمن بإعادة بناء المجتمع، إلى جانب إعادة الإعمار، والحرص على تسريع وتيرة العمل دون تأجيل أو تأخير يحتمل المزيد من مضاعفة معاناة ومآسي ضحايا الحرب.
تدرك "وجود" أن الدعم النفسي هو تأهيل الفرد نفسياً، وما التوافق النفسي إلا مساعدة الفرد على تحقيق السعادة مع نفسه ومع الآخرين وبيئته بسلام وأمان، واستغلال قدراته وإمكاناته حتى يستطيع مواجهة مطالب الحياة والتعاطي مع الواقع بشكل إيجابي؛ إلا أنها تدرك أيضاً أن لدى الكثيرين من أفراد المجتمع اليمني تصورات خاطئة أو منقوصة تجاه الدعم النفسي؛ لذلك ترتأي "وجود" أن يُعاد تعريف الدعم النفسي للمجتمع، وتوعيته بضرورته وأهمية الأخصائيين النفسيين؛ ليغير فكرته وموقفه تماماً تجاهه، وترسيخها بين أفراده كثقافة وسلوك، وذلك من خلال إنشاء الجهات الرسمية المختصة لمراكز دائمة، تقدم الدعم النفسي، وتشجيع منظمات المجتمع المدني المحلية المعنية بهذا المجال على تكثيف الأنشطة والمشاريع ذات العلاقة، وتبني وسائل الإعلام المحلية المختلفة رسائل إيجابية للمجتمع؛ لحضه على ضرورة الدعم النفسي.
علماً بأن المشروع المذكور آنفاً نُفذ في محافظة عدن بدعم من البرنامج الإنمائي التابع لمنظمة الأمم المتحدة UNDP، ويهدف إلى تمكين ضحايا الانتهاكات التي وقعت أثناء الحرب الأخيرة، من تجاوز الصدمات النفسية الناجمة عنها، عوضاً عن التكيف معها والتعايش مع ضغوطها ضمن دواعي متطلبات استمرارية الحياة، مع أن الخسائر المادية التي أوقعتها الحرب كبيرة؛ إلا أن الخسائر الإنسانية أكبر، حيث ضاعفت من حجم معاناة سكان عدن، ولا تزال تهدد السلام والاستقرار. استمر المشروع على مدى ثلاثة أشهر متواصلة، ومر بمرحلتين رئيسيتين، تضمنت المرحلة الأولى إقامة دورتين تدريبيتين، استهدفت الأولى 25 ممثل لمنظمات المجتمع المدني المحلية ومنسقين ميدانيين لمؤسسة "وجود"، وخُصصت الثانية لـِ 25 متطوع مجتمعي وناشط ميداني وعضو مبادرة شبابية؛ لإكسابهم مهارات العمل كموثق ومدافع عن حقوق الإنسان، وتزويدهم بآليات جديدة لرصد الانتهاكات، بينما تمثلت المرحلة الثانية بتقديم الدعم النفسي لضحايا انتهاكات الحرب.
مؤسسة "وجود" للأمن الإنساني، منظمة مجتمع مدني، غير طوعية، غير حكومية، وغير ربحية، تأسست في عام 2012م، وتسعى من خلال برامجها وأنشطتها إلى الدفع بعملية التنمية وحقوق الإنسان، وتوسيع الفرص للمشاركة المجتمعية بالتحديد أمام النساء، والشباب من الجنسين؛ لصنع مستقبل أفضل للأمن الإنساني.
.