إعدام الشريف… تهجير يهود اليمن… ويوم الأرض
الإعدام العمد وبدم بارد، من قبل جندي صهيوني للشهيد الفلسطيني عبدالفتاح الشريف، لم يكن مشهدا فريدا في المذابح الصهيونية الجماعية لشعبنا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولن يكون الأخير!
هذا يحصل في القرن الواحد والعشرين، ليس هذا الموقف غريبا من الجنود الصهاينة، الغريب، أن يتصرفوا على عكس ما فعلوا.. حالهم ينطق بالفرح الشديد لقتل فلسطيني، ألم يُفت حاخاماتهم منذ مدة قريبة بـ«أبيدوهم، واقتلوهم»، و«يجوز قتل المقاومين الفلسطينيين ـ حتى لو حملوا سكاكين مطبخ ـ لمجرد الشك فيهم فقط»؟ ولأن الناس على دين ملوكهم، رأينا عملية الإعدام البشعة.
للعلم، أظهر استطلاع للرأي العام، أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون سلوك الجندي الذي أعدم الشاب الفلسطيني المُصاب عبد الفتاح الشريف. لقد جاء في الاستطلاع الذي أعده معهد «مينا تسيمح» الإسرائيلي لاستطلاعات الرأي، ونشرته القناة «السابعة» العبرية على موقعها الإلكتروني، أن 59٪من المستطلعة آراؤهم قالوا، إنه لم تكن هناك حاجة لاعتقال الجندي القاتل، أو فتح تحقيق جنائي ضده. ورأى 46٪ من المستطلعين: أن إقدام الجندي على إعدام الشريف، وهو عاجز عن الحركة، بأنه «عمل شجاع ومسؤول، وأن تصرفه كان انطلاقا من رغبته في التأكد من أن الشريف لم يكن يحمل عبوة ناسفة». كما أظهر استطلاع بثته القناة الإسرائيلية الثانية، أن 75٪ من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بضرورة قتل الفلسطينيين، منفذي العمليات في مكان تنفيذ العملية. في السياق ذاته، نظّم إسرائيليون مظاهرات عدة، دعما للجندي القاتل، وطالب المتظاهرون بعدم تقديم الجندي للمحاكمة. كما دعت بلدية «بيت شيمش» (وسط فلسطين المحتلة عام 1948)، إلى مظاهرة نظمتها فعلا، دعما للجندي القاتل. وبحسب إعلان نشرته البلدية على موقعها الإلكتروني، فإن المظاهرة تأتي من أجل إطلاق سراح الجندي الذي وصفته بـ«بطل إسرائيل» وبـ«البطل القومي»، على حد وصفها. أيضا، فإن الآلاف من اليهود وقعوا عريضة جماعية تطالب بإطلاق سراحه. وفي سياق ذي صلة نشرت صحيفة «هآرتس» توثيقا مُصوّرا، يظهر فيه الجندي القاتل يصافح ناشط اليمين المتطرف باروخ مارزل، بعد أن أعدم الشهيد الشريف. كما أظهر التسجيل وصول طواقم الإسعاف الإسرائيلية للمكان بدون تقديم الاسعاف للشاب الملقى على الأرض، الذي تم إطلاق النار عليه بوجود طواقم منها وعدد من الجنود والمستوطنين بالمكان. كما صعّد سدنة اليمين الصهيوني المتطرف هجومهم على قيادة الجيش، وعلى نظرائهم في الطرف الآخر من الخريطة الحزبية، وعلى منظمة «بتسيلم» الحقوقية، التي ترصد انتهاكات الاحتلال، على خلفية توجيه لجنة تحقيق عسكرية شبهة «القتل العمد» للجندي الإسرائيلي.
حملة شعواء من اليمين الديني الصهيوني الأكثر تطرفا، يقودها زعيما حزب المستوطنين «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان، لإطلاق سراح الجندي. للعلم، عملية اعتقاله تمثل مشهدا دراميا يحرص نتنياهو على آدائه، وهو يدرك أنه سيقيم في سجن من فئة العشرة نجوم، وربما سيقوم بتهنئته سرا.. وبأن المحكمة ستعتبر إعدامه للشريف دفاعا عن النفس، وربما تحكم عليه بغرامة قرش واحد، تماما كما حكمت على الضابط شيدمي مرتكب مجزرة دير ياسين، وعلى قتلة الناشطة الأمريكية راشيل كوري بالبراءة، وعلى المجرم باروخ غولدشتاين بأنه مختل عقليا، كما حارق منبر المسجد الأقصى أورهان.. هل نسينا أن التصرف المجرم هو نتيجة حتمية لأيديولوجيا العنف والقتل في الفكر الصهيوني، وللتحولات الجارية فعليا بين اليهود الإسرائيليين. نتنياهو كان وراء سن الكنيست لـ34 قرارا عنصريا (خلال عام 2015 وأوائل 2016) ضد أهالي منطقة 48 من شعبنا الفلسطيني الواحد.
على صعيد آخر، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن تل أبيب دفعت مبالغ مالية لجهات عربية عديدة، كي يتسنى لها إخراج 17 يهوديا يمنيا من العاصمة صنعاء، وأن العملية تمت بمساعدة من البعض العربي وبتنسيق كامل مع الوكالة اليهودية للهجرة. وقالت، إن هؤلاء هم آخر يهود اليمن وقد وصلوا إلى إسرائيل. وعزت الصحيفة، السرية التي اكتنفت عملية نقل اليهود، إلى ما وصفته بالوضع الأمني السيئ باليمن، ومظاهر «العداء للسامية» ولليهود، وفضلا عن صعوبات لوجستية، مما حدا بالوكالة اليهودية إلى الاستعانة بالخارجية الأمريكية التي ساهمت في الماضي في عمليات نقل يهود من اليمن إلى إسرائيل. ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصدر إسرائيلي ـ لم تفصح عن هويته مكتفية بوصفه بالرفيع ـ القول، إن خطة نقل اليهود من اليمن جرى العمل فيها منذ أكثر من عام، مضيفا أن عشرات اليهود توافدوا في الأشهر الأخيرة من تلك الدولة إلى إسرائيل، عبر عمليات «معقدة لم نشهد لها مثيلا من قبل». سابقا، دفع الكيان الصهيوني للرئيس النميري كي يجري تهريب اليهود الإثيوبيين (الفالاشا) عبر السودان، وفي التعليق نقول: التاريخ يكرر نفسه ولكن على شكل مهزلة هذه المرة! ما حدث في أوائل أربعينيات القرن الماضي يتجدد الآن في القرن الواحد والعشرين. التهمة الصهيونية الدائمة لكل من يعادي سياسات الكيان العدوانية هي «العداء للسامية»! حتى لو كان اليهود المقصودون 17 يمنيا. الأغرب أنهم اصطحبوا معهم نسخة تاريخية من التوراة عمرها مئات السنين، تماما كما حرص الكيان على سرقة نسخة قديمة أخرى من العراق، ثم ربما لا يعرف اليهود المهاجرون إلى اليمن أنهم سيكونون في نهاية قاع سلّم التقسيمات بين اليهود انفسهم داخل إسرائيل.
من جانب ثان.. يحيي شعبنا الفلسطيني هذا اليوم الذكرى الأربعين ليوم الأرض، فهي أحد عناوين الصراع بيننا وبين العدو الصهيوني. نعم الأرض هي عنوان تحدينا للعدو الغاشم الذي حاول تزوير التاريخ والوقائع واعتبر فلسطين «أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض» سمّى فلسطين، «أرض الميعاد» و»أرض إسرائيل» وبغيرها من الأضاليل والأساطير الزائفة. يوم الأرض الفلسطينية هو ذكرى خالدة في تاريخ شعبنا، إنه عنوان التصاقه بأرضه الطيبة وبوطنه المحتل. لقد أصبح هذا اليوم منذ عام 1976، يوماً للأرض الفلسطينية. والنضال من أجل منع تهويدها، ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، ودليلا حيّا على انتماء شعبنا إلى أمته العربية، التي تشكل عمقه الإستراتيجي، مناسبة نؤكد فيها التزامنا بتحريرالمحتل من وطننا، وعلى حق العودة لكل اللاجئين من منطقة 48، الذين أجبرتهم الدولة الوليدة والعصابات الصهيونية، على الخروج من أراضيهم عبر ترحيلهم، وقامت باقتراف المذابح والمجازر الجماعية لإرهابهم وإجبارهم على الرحيل، لقد استولت إسرائيل على 92٪ من أراضي فلسطين عام 1948 بموجب «قوانين أساس» للسلب والنهب، قام الكنيست الصهيوني بسنها. لم تكتف الدولة الصهيونية بهذا الرقم، بل أصبحت تصادر بشكل دوري المزيد من الأراضي الفلسطينية بحجج مختلفة. لقد تمثلت المعادلة الإسرائيلية في التعامل مع الأرض الفلسطينية بــ(أرض أكثر وعرب أقل)، لذلك حرص الكيان منذ إنشائه وحتى اللحظة، على إتباع سياسة التضييق والخنق في كل المجالات على أهلنا في منطقة 48، عدا عن سياسات التمييز العنصري الفاشي بحقهم، في محاولة واضحة لدفعهم دفعاً للخروج من وطنهم وأرضهم، من خلال خلق واقع مادي حياتي صعب لهم، بحيث يصبح من المستحيل عليهم البقاء فيها. رغم ذلك صمد أهلنا وما زالوا صامدين في وطنهم.
الأحداث الثلاثة السابقة كلها، لم تحظ بتغطية إعلامية عربية وطبعا عالمية كما يجب، إننا في زمن إعادة إنتاج «إحراق الكتب». في الذكرى 815 لإحراق كتب ابن رشد في الأندلس، التي تصادفت في 16 آذار/مارس الحالي، أذكر حادثة: أنه شاهد تلميذه يبكي، فخاطبه قائلا: إن كنت تبكي أحوال العرب، فلن تكفيك دموع البحار جميعها! وإن كنت تبكي الأفكار التي جاءت فيها، فاعلم أنها تمتلك أجنحة لتطير.
.