هؤلاء سيحكمون الإمارات في السنوات القليلة القادمة
الأرقام مفزعة جدا. وفقا لمركز الإحصاء الإماراتي، يصل عدد سكان الإمارات إلى 8 ملايين نسمة، تبلغ نسبة الأجانب منها حوالي 84% ويتجاوز عدد العمال الأجانب نصف سكانها. فمثلا يبلغ عدد سكان إمارة دبي قرابة 2,262 مليون ساكن يتوزّعون إلى 2.048 مليون أجنبي مقيم (أكثر من 90%) و214 ألف مواطن إماراتي.
لقد لعبت العديد من القوانين الجالبة للعمالة خاصة الآسيوية دورا كبيرا في تهجين المشهد السكاني، الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي للبلاد. فمعظم العمالة الوافدة تحمل معها مخزونها الثقافي والاجتماعي والسلوكي العام وهذا ما كان له الأثر البالغ في مسخ صورة المجتمع الإماراتي وفي تشويه هويته الثقافية.
على المستوى المالي مثلا، تبلغ تحويلات العمالة الوافدة إلى أكثر من 5 مليار دولار سنويا تذهب خارج البلاد أي لا يعاد ضخها في الاقتصاد الإماراتي بل تذهب لإنعاش اقتصاديات أخرى وهو ما يعبّر عنه بالمال المهاجر.
تمثّل العمالة الوافدة خطرا كبيرا على الهوية الوطنية إضافة إلى تأثيراتها المباشرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فالمواطن الإماراتي يشعر باختناق كبير داخل بلده وبغربة داخلية وهو المحاط بأكثر من 90 بالمائة من السكان يمثلون جنسيات مختلفة، تختلف معه في الهوية والطموح والطبائع وتقريبا في كل شيء. كما يحتل الأجانب وتحديدا الآسيويين وظائف كبيرة في الدولة وفي الشركات الخاصة مما قلّص من فرص انتداب المواطن الإماراتي الذي يرفض العمل في مهن بسيطة أو متوسطة الدخل.
قد يفهم هذا التوافد من خلال حركة التطور السريعة التي عرفتها الإمارات وذلك من خلال تزايد النمو العمراني والتجاري والذي لم يصحبه نمو للسكان المحليين الذين يتجهون نحو النقصان بالإضافة إلى ميل الكثير من الشباب الإماراتي للزواج من أجنبيات وعزوف نسبة هامة نتيجة لغلاء المعيشة وكلفة الزواج وهذا من شأنه المساهمة سلبا في الوضع السكاني.
معظم الوكالات التجارية الغذائية بأيدي التجار الهنود وكذلك قطاع الذهب والألماس. فوفق دائرة الأملاك والأراضي بدبي ازداد أعداد المستثمرين الهنود في السوق العقاري سنة 2013 واحتلوا المرتبة الأولى، مستثمرين ما قيمته 3 مليار دولار من بين الجنسيات الأجنبية، يليهم الإنجليز ثم الباكستانيين.
تمثل العمالة الأجنبية قوة ضاربة غيّرت الكثير من المشهد السكاني للبلاد وتتجه نحو إذابة ما تبقى من الإماراتيين. في الدول الأوروبية كثيرا ما يقع انتقاد المهاجرين لضعف اندماجهم في الدورة الثقافية والاقتصادية لكن في الإمارات فإن السكان المحليين هم المطالبون بالاندماج مع الشريحة الكبرى من الآسيويّين والتي تدين بالولاء لأوطانها وأديانها وعاداتها.
منذ سنوات، دقّ ناقوس الخطر بالإمارات وعوض أن تتخذ الدولة إجراءات للحد من خطورة هذا الوضع فإنها تغاضت عنه لأنّ القائمين على تلك القوانين يسترزقون من هذه الأوضاع، فالهجرة إلى الإمارات لم تعد هجرة طوعية أو إرادية أو مشابهة لمفهوم الهجرة التقليدية، بل إنها تحولت إلى صناعة وسوق كبير. لقد تحول انتداب الأجانب للعمل بالإمارات إلى عملية تجارية شأنها شأن أي بضاعة يقع توريدها إلى البلاد. تحتكر بعض الشركات المملوكة لكبرى العائلات النافذة معظم عملية الاستيراد العمّالي. فهذه الشركات لا تستورد العمالة فقط بل إنها تتحكم فيها وتستثمرها أمنيا واجتماعيا وحتى مطلبيا بحكم أنها قوة ضاربة كما يمكن تحويلها (الجنسيات الآسيوية) إلى بضاعة يقع التحكم في صلاحيتها عبر أزرار.
رغم أن وضع العمّال الآسيويّين مأساوي من حيث الاضطهاد وانتهاك حقوقهم المادية والاجتماعية إلا أن هؤلاء الذين يصنّفونهم كـ “عبيد” يمثّلون سيلا جارفا سيعصف بالإمارات مستقبلا من خلال ثورة عمّالية إلى ثورة عمالية قد تدفع إلى تغيير نظام وشكل الدولة لتصبح الإمارات محافظة هندية أو إيرانية أو باكستانية تتمتع بالحكم الذاتي وما على النظام الإماراتي إلا النظر إلى ما آلت إليه منطقة “جبل طارق” Gibraltar التي كانت جزءا من إسبانيا، والتي رغم مطالبة هذه الأخيرة بتلك المنطقة إلا أن سكّانها ذووا الأصول الايبيرية رفضوا الرجوع إلى التاج الإسباني بحكم عامل الوقت الذي حوّلهم إلى إنجليز.
يطالب الأجانب اليوم بالجنسية الإماراتية وخاصة الهنود والباكستانيين. مازال الإماراتيون يذكرون كيف أنّ بعض كبار التجار الهنود مثل Thakurdas Choithram Pagarani الذي يعتبر أحد أكبر الأغنياء ومن مؤسسي أول “سوبر ماركت” بالإمارات (1974) عندما رفع دعوى قضائية لدى الأمم المتحدة يطالب فيها بالجنسية الإماراتية أسوّة بمواطنيها.
يمثل التجار الهنود قوة اقتصادية ضاربة وهذا من شأنه أن يساهم في زعزعة الأمن القومي الإماراتي لما حققوه من أرباح مالية كبرى وما اكتسبوه من نفوذ عبر تكوينهم لعلاقات نافذة مع كبار مسؤولي الدولة. لقد مثّل ذكاء رجل الأعمال الهندي Raghuvinder Kataria المتخصص في التقنية والذي يبلغ صافي ثروته قرابة 2.5 مليار دولار في أن يصبح أحد أهم الأغنياء بالإمارة ذلك أنه في أوج الأزمة المالية العالمية، وفي زمن انهارت فيه أسعار العقار في دبي اشترى مستثمر مغمور بكل هدوء بنايتين في منطقة ”مربع إعمار“ بما في ذلك المبنى رقم 5 الذي يضم مقر بنك HSBC بدبي وكذلك المبنى رقم 3 بمبلغ إجمالي بلغ حوالي 204 مليون دولار. وقد تضاعف المبلغ الـمدفوع لـ 40 مرة على مدى السنوات القليلة الماضية.
عشرة أكبر أغنياء بالإمارات هم هنود يتربعون على ثروات تناهز أو تفوق 21 مليار دولار يستحوذون على أسواق الجملة والتفصيل. لا يمكن لتاجر إماراتي منافستهم إلا بمشاركتهم. يقول “صقر” أحد الإماراتيين الذي على علاقة وطيدة بدوائر القرار السياسي بالإمارات:
“هؤلاء فطريات كوّنوا ثروات من أشياء لا قيمة حقيقية لها، استغلوا المجتمع الإماراتي، هذا الذي استوطنته ثقافة الاستهلاك والكسل بعد أن تم اختزال ثقافته وهويته في الزي الشعبي والرقصات التقليدية والصيد بالصقور والركض وراء الإبل أو الخيول… احتلال اقتصادي أجنبي وتبعية قد تتطور لما هو أكثر سوءا. العربي الواعي يحزن لرؤية حال الإمارات والخليج!”.
يتحمل النظام الإماراتي سياسة ما وصلت إليه البلاد اليوم من حالة احتقان شديدة لدى السكان المواطنين الذين أصبحوا محاصرين في قوتهم ووظائفهم وحتى في وجودهم من طرف العمالة الأجنبية وخاصة الآسيوية. إنه بنظرة سريعة إلى التركيبة العمالية بالإمارات، نلاحظ أن هذه العمالة تسيطر تقريبا على كل الوظائف الحياتية التي بدونها لا يمكن للمواطن الإماراتي أن يعيش. فقرار الهجرة العمالية نحو الإمارات هو قرار سيادي لم يأخذ في الاعتبار التداعيات الاجتماعية، السياسية والأمنية على الدولة والمنطقة. إن مثل هذه السياسة ستمثل عامل توتر في المنطقة لتوجه العمالة الآسيوية نحو التطوير من مستوى عيشها وطموحها واتجاه الكثير من الذين كوّنوا بعضا من رأس المال أو دخلوا في شراكة بينية (آسيوية ــ آسيوية) إلى القيام بعمليات استثمارية في الصناعة والسياحة والعقار وهي استثمارات استراتيجية تعكس استحواذ هؤلاء الوافدين على قسط هام من السوق المالي. هذا التحوّل من أجير إلى مؤجّر وفاعل في الدورة الاقتصادية يعزّز من حجم نفوذها الاقتصادي الذي بدوره سيتبعه دعم سياسي من دولها.
* الدكتور سامي الجلّولي صاحب الكتاب المثير للجدل “الإمارات ما قبل الكارثة أسرار وخفايا” والمختص في النظام السياسي السويسري والأنظمة السياسية العربية، والمحلّل السياسي ورئيس مركز جنيف للسياسة العربية.
.