"يناير" الشهر الأكثر أسىً في عدن والأشد وجعًا في نفوس اليمنيين
بأسى بالغ، ومرارة كبيرة، عطفا على الدماء التي سالت، والأنفس التي أزهقت، ليغدو أسوأ بداية لعام جديد، بعد يناير عام 1986 الذي شهد حينها حرباً ضروساً بين رفقاء الحكم الواحد، فيما قبل الوحدة اليمنية.
شهر يناير 2016، بدأ مخالفاً لكل أمنيات الناس في عدن، المدينة المسالمة التي يكره سكانها الحروب، ويرفضون العنف، حين كان مجرد رؤية قطعة سلاح في مكان ما، حدثاً «جللًا» وأمراً عظيماً، وهي أمور باتت اليوم في حكم الذكريات الجميلة، التي لا تلقى حقيقة، أن عدن قد دخلت حالياً دوامة عنف لا حدود لها، وغدت ميداناً تركض فيه الأحزان، ومساحة تتسابق على جنباتها الآلام.
وعودة إلى ما شهده يناير الحالي، فإن سلسلة هجمات وعمليات اغتيال، جعلته الأسوأ من بين كل الشهور التي أعقبت خروج ميليشيات الحوثي ووقات علي عبد الله صالح من عدن، الباحثة عن الأمن والأمان، والتواقة إلى حياة أفضل وأجمل من تلك التي مرت بها إبان حرب الحوثيين عليها، أو حتى الفترة التي سبقتها، بعد أن حولتها السياسات المتعاقبة من مدينة حب وسلام، إلى ساحة قتل وإعدام.
عمليات اغتيال خلال الشهر الحالي، طالت، قيادات عسكرية وأمنية ومدنية وقضاة محاكم وتجاراً وأفراداً من المقاومة الشعبية، فضلاً عن استهداف منزل مدير أمن المحافظة، وتعرض محافظي عدن ولحج، وقائد المنطقة الرابعة العسكرية، ومدير أمن عدن لمحاولات اغتيال منفصلة، لكنهم نجوا جميعهم منها.
وإلى جانب عمليات الاغتيال، تعرضت عدن لعدة هجمات انتحارية، استهدفت النقطة الأمنية الأولى للبوابة الخارجية لقصر الرئاسة «معاشيق» في كريتر، والحاجز الأمني على المدخل الغربي لكريتر، يومي الخميس والجمعة الماضيين، وذهب ضحيتها عشرات القتلى والمصابين، بينهم مدنيون. ولم تجد الإجراءات الأمنية التي فرضتها اللجنة الأمنية العليا والسلطة المحلية في عدن، من خلال فرض حظر التجوال، وانتشار النقاط الأمنية في بعض شوارع ومداخل المدن، من وضع حد للاغتيالات اليومية، والعمليات الانتحارية.
وبهذا الخصوص، يرى عضو مجلس النواب، د. عيدروس النقيب، «أن القضية الأمنية أولوية مقدمة على ما سواها من الأمور الأخرى، وبالأمن يستقيم عود الحياة، وبدونه يبقى كل شيء عرضة للاضمحلال والفناء".
وقال : «الاغتيالات وأعمال التفجير المتواصلة التي تشهدها عدن، والمحافظات المحررة لا تأتي صدفة، ولا هي مجرد أعمال تخريب يراد منها إلحاق الضرر بالأفراد والمنشآت فحسب، لكنها تمثل جزءًا أصيلاً من الحرب القذرة التي انطلقت، ولم تنطفئ نارها، ويبدو أنها لن تنطفئ قريباً». ويرى النقيب أن أربعة أهداف رئيسية، تكمن وراء استمرار أعمال التفجير والاغتيال التي تستهدف المحافظات المفترض أنها تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وهي: «أولاً، إثارة البلبلة والذعر والخوف ما يعطل حركة الحياة في هذه المناطق، ويمنع أي استقرار فيها ، ويربك حياة السكان جميعاً، وثانياً، استهداف الكفاءات الجنوبية، خاصة ذات التخصصات المهمة كرجال الأمن والقضاة والقادة العسكريين والسياسيين والناشطين الاجتماعيين. وثالثاً، استهداف منشآت مهمة يتوقف عليها عمل الأجهزة الأمنية في مواجهة العصابات الإجرامية.
ورابعاً، محاولة إثبات أن من يديرون الشأن العام في المناطق المحررة ليسوا مؤهلين لتثبيت الأوضاع، وبالتالي ليسوا قادرين على توفير الخدمات ولا تأمين المرافق ولا الحفاظ على حياة الناس ولا حتى حماية مرافق الدولة التي تديرها، والغرض من كل هذا دفع الناس إلى اليأس والإحباط والحنين إلى أيام حكم الرئيس السابق». ويرى عبدالمجيد الصلاحي، عضو المجلس المحلي بمحافظة أبين، انه بمقدور الأجهزة الأمنية احتواء مثل هذه الأمور متى ما توفرت لها الامكانيات اللازمة، التي نسمع عنها كثيرا في وسائل الاعلام، لكنها غائبة او مغيبة عن مسرح الاحداث الى الان. وقال في حديثه للأناضول، ينبغي على الحكومة ان تكون أكثر جدية في التعاطي مع هذا الملف، وإلا تكتفي بعقد اللقاءات والمشاورات، فالأمر خطير جدا والسكوت والتغاضي عن مثل هذه الجرائم والتعامل مع الدماء التي تراق يوميا، بنوع من التسويف والمماطلة في اتخاذ الاجراءات، من شأنه تشجيع مثل هذه الجماعات على حصد المزيد من الأرواح.
واضاف، هناك اجراءات ينبغي على الحكومة اليمنية اتخاذها من اجل حصر اعمال هذه الجماعات وعدم تمددها اكثر، وتتلخص فيما يلي:
" اخضاع عملية الدخول والخروج الى عدن وابين ولحج ، لعمليات تفتيش دقيقة، وتركيب اجهزة مراقبة على الطرق متطورة، واجهزة استشعار للكشف عن العبوات والقنابل شديدة الانفجار، وإعادة تموضع الاجهزة الأمنية وفقا للاحترافية والقدرات، وايجاد قوات متخصصة في مكافحة الارهاب بالتنسيق مع دول التحالف، ونشر قوات مدربة ومجهزة بشكل سلس في مربعات ودوائر محافظة عدن، وضرورة الاستفادة من القادة والضباط من ذوي الكفاءات العالية، الذين تم الاستغناء عنهم ابان حكم صالح، واشراك المجتمع في مكافحة ظاهرة الارهاب، واستغلال عدم وجود حاضنه لمثل هذه الجماعات في سبيل تجييش المجتمع ضدها، فضلا عن تنشيط عمل الاستخبارات المغيب حتى اللحظة، وغيرها من الأمور التي حتما ستساعد في تقويض عمل هذه الجماعات والحد من خطورتها واعمالها.
.