أيوب طارش نائف ناجي العبسي، أو كما يتدوال اسمه بأنه "أيوب طارش" قامة يمنية احتفظت بتاريخ انساني وفني نقي، ضمن له حب واحترام الجماهير في اليمن وخارجه، كما أهله صوته وطريقة أدائه الخاصة للأغاني لأن يرسخ في الذاكرة صوتا وصورة.
فما أن يذكر اسمه حتى ترسم في العين صورة لرجل مبتسم وأن لم يفعل، يرتدي الكوفية ويضع الشال على رأسه، أو يسدله على كتفيه، ويحافظ على الزي اليمني التقليدي فلا يستغني في كل مكان يتواجد فيه عن الثوب الأبيض والجاكت، بما يظهره إنسان بسيط ومتواضع وهو كذلك.
خلف تلك الملامح الراضية لأيوب، يختفي تاريخ بدأ يخطه من صباه الباكر، حين غنى أولى أغانيته "بالله عليك وا مسافر" ورغم أنها بثت لأول مرة في إذاعة تعز عام 1956 أي قبل ستون عاماً من اليوم إلا أن من يسمعها اليوم يشعر بأنها ما تزال مدهشة ويعود ذلك لمن أداها ولحنها وهو أيوب لتكون خطوته الأولى في رحلة تستمر حتى اليوم.
ففي عام 1953 وكما تذكر سيرته الذاتية انتقل أيوب للعيش في عدن وهناك تلقى دروسه وحصل على شهادة الثانوية العامه من المعهد العلمي الإسلامي، ومن أبرز شيوخه العلامة المجتهد محمد بن سالم البيحاني، ولم يمض عامين على تخرجه حتى بثت له أغنية "بالله عليك وا مسافر" ولاقت ردود فعل كبيرة.
ويذكر أن الفنان سجل الأغنية وبعث بها مع جمّال يدعى عبدالغني العشمة لتبث آنذاك في إذاعة تعز وعدن وكانت بداية لعدد من الأغاني ما اكسبه شهره سريعه آنذاك.
حين لحن أيوب تلك الأغنية وأداها بصوته لم يكن تجاوز الخامسة عشرة من عمره، فأيوب ولد عام 1942 في قرية المحربي عزلة الأعبوس بمحافظة تعز، إلا أنه حين أصدرها كان في محافظة عدن واستقر فيها لعدة أعوام قبل أن يقرر السفر إلى القاهرة.
كان ذلك في العام 1974، وهناك أي في القاهرة مكث أيوب لعامين وخلالهما درس في معهد الموسيقى العربية، وبالتأكيد كان لهذه المرحلة من حياته دوراً في إثراء تجربته الفنية بخاصة في مجال التلحين وهو المجال الذي احترفه أيوب وطالما لحن لنفسه.
أصدر أيوب خلال مسيرته الفنية مئات الأغاني، ما يزال اليمنيين يرددونها حتى اليوم، ولقب بفنان السعيدة نسبة إلى أرض اليمن السعيدة، وفنان اليمن ايضاً، وتميزت أغانيه بقربها من الناس واهتماماتهم فطالما غنى للغربة ، للمزارع والمرأة والفلاح للحقول والوديان لكن جل أغانيه كانت عاطفية، ما ضمن له جمهور من مختلف الفئات العمرية.
ورغم أنه أدى جل أغانية باللهجة العامية، إلا أن وضوح مخارج حروفه لم تصعب الاستماع إليه من غير اليمنيين، بل ربما وجد الكثيرين في أغانيه ملاذا لأشواقهم ومشاعرهم، وكتبوها رسائل حب تبادلها العشاق.
مشوار أيوب الذي بدأ بأغنية "بالله عليك وا مسافر" مر بإنسيابيه كبيرة، تعاون خلاله مع عديد شعراء إلا أنه شكل ثنائياً فنياً ناجحاً مع الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان الفضول، فالرجلين استطاعا انتقاء الكلمة وتطويعها، والتقريب بينها وبين الفصحى، واختيار القالب الموسيقي المناسب لها.
ومن أنجح ثنائياتهما هي أغنيات مثل "يا حب يا ضوء القلوب"، "هل عادك حبيب"، "يا من رحلت إلى بعيد"، "طير مالك والبكا"، "لك أيامي"، و"طاب البلس"، و"مكانني ظمآن"، و"دق القاع"، غير أن أشهر عمل لهما على الإطلاق هو أنشودة "رددي أيتها الدنيا نشيدي" التي اختيرت نشيدًا وطنيًّا للجمهورية اليمنية، منذ تحقق الوحدة بين شطري اليمن في 1990.
واللافت في سيرة أيوب طارش أنه لم يكن محل خلاف في ثورة 2011 في اليمن وربما كان الفنان الوحيد الذي اتفق عليه الموالين للرئيس علي صالح والمناهضين له، إذ بثت أغانيه وبخاصة الوطنية وهي عديدة في ساحة التغيير المناهضة، والسبعين الموالية.
تقلد أيوب خلال مشوار حياته وظائف محدودة منها عمله في شركة الطيران اليمنية عام 1969، وظيفة أخرى في البنك اليمني للإنشاء والتعمير حتى عام 2001، لكنه شغل دوما بتجربته الفنية وإثرائها، وبقيت أغانيه تبث على الدوام عبر أثير الإذاعات وشاشات التلفزيون سواء تلك الوطنية أو منها العاطفية قديمها وجديدها.
عام 2009 تعرض أيوب طارش لوعكة صحية، ألزمته السرير الأبيض بل اضطرته للسفر إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحيه في كتفه الأيمن، والتي ظل يعاني منها لأعوام، فتجددت معاناته مع الألم عام 2012 وتدهورت صحته وبدأت حركة يده اليسرى أيضا تتأثر بإصابته في اليمنى.
لتطلق أسرته مناشدات في 2013 للجهات المعنية في الدولة كون حالته المادية لم تعد تسمح له بالسفر مجدداً لمتابعة علاجة في ألمانيا، وحينها أطلق محبيه صندوقاً لمعالجته عبر حساب بنكي، بخاصة وأن الجهات المعنية تقاعست وأنشغلت بأحوال البلاد التي بدت في التدهور بعد الثورة.
وفي العام 2014 فقد أيوب طارش زوجته ورفيقة دربه لول العبسي والتي توفت بسبب ما عانته من مرض السكر والكبد والذي تلقت بسببه العلاج في عدة مستشفيات في الداخل والخارج.
وهنا نذكر أن إشاعات الوفاة ومنذ بداية مرضه في 2009 رافقت الفنان بصورة منتظمة مع بداية كل عام ميلادي جديد، وهو الأمر الذي اعتاده الفنان وقال معلقاً عليه في أحد تصريحاته الصحفية: "هذه الإشاعة أصبحت مألوفة ومعتادة بالنسبة ولم أعد أتأثر منها أو أعيرها أي اهتمام، لكنها للأسف الشديد تفزع الأهل، والأقارب والأصدقاء والجمهور الحبيب".
واضاف في ذات التصريح أن تلك الإشاعات تسبب له إزعاجا :"بسبب الاتصالات الهاتفية التي لا تتوقف طوال الليل والنهار من الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب والجمهور أيضاً ممن يريدون التأكد والاطمئنان عليّ مشكورين، وهذا خطأ كبير يرتكبه مطلقو هذه الإشاعات ويؤذون مشاعر الناس للأسف".
آخر تلك الإشاعات كانت قبل حوالي الأسبوعين، وكما هي العادة نفتها أسرته، وطمأنت جمهوره بأن الفنان بخير وبصحة جيدة.
حصد أيوب طارش عديد جوائز وأوسمه منها وسام (الفنون) من الدرجة الأولى عام 1979، ودرع الثقافة عام 2003، كما كرمته وزارة الثقافة اليمنية وعديد جهات داخل اليمن منها مؤسسة العفيف الثقافية ومحافظة تعز وجامعة الملكة أروى ومجلة بلقيس والقنصلية اليمنية بجدة ومحافظة عمران ومؤسسة السعيد للعلوم الثقافية وجامعة عدن وملتقى الرقي والتقدم، وفي 2013 منحته جامعة الحديدة الدكتوراه الفخرية.
تستمر المسيرة الفنية لأيوب طارش وهي تدخل هذا العام عامها الستين مع بلوغه الـ74، غير أن مجالها تغير من الغناء والطرب إلى الأناشيد الدينية، فبعد إعلانه التوقف عن الغناء قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام توجه الفنان إلى أداء الأناشيد ليقدم أعمالاً لاقت قبولاً واسعاً لدى الجماهير؛ منها "يا ربُّ بهم" و"جلاء القلب"، "رمضان يا شهر الصيام"،"رمضان يا صائمين"،"رمضان أطلّ على الدنيا"وغيرها.