تقرير ل أنباء عدن: الكلام بعد التخدير.. حقيقة أم هلوسات وما السبب؟!
أنباء عدن: الخميس 15 ديسمبر 2022 01:30 مساءً

تعبيرية
كثيرًا ما نسمع عن الكلام بعد التخدير، حتى أن البعض صار يخاف ممّا قد يقوله وهو تحت تأثير التخدير الطبي أكثر من خوفه من العملية نفسها!
ويتنوع ما يقال ما بين الشتم والصراخ والغزل والهذيان الغير مفهوم.
ويظل السؤال هنا هل ما يقال في هذه الظاهرة هو بوح وفضفضة وكشف لما أخفي في الصدور، أم هلوسات وهذيان لا يمت للواقع بصلة؟!
وما السبب الذي يجعل الكثيرون يمرون بهذه الحالة بعد تخديرهم طبيًا؟!
ولمعرفة إجابات هذه التسأولات سألنا أهل الطب والاختصاص، وفي هذا التقرير نتعرف على شرحهم العلمي لهذه الظاهرة.
تقرير: ناصر بامندود
هل الكلام بعد التخدير حقائق وما سببه:
يقول الدكتور محمد باحكم استشاري طب التخدير والعناية المركزة: " إن الكلام الذي يقوله المريض بعد تخديره طبيًا هو هلوسات غير حقيقية، ولا يمكن إثبات صحته، وهو كلامٌ غير مترابط وغير مرتب، وما يثرثر به هو نتيجة مادة ( الكيتامين- Ketamine) وهي مادة مخدرة ميزتها عن المواد المخدرة الأخرى أنها الوحيدة التي لا تؤثر على تنفس المريض ولا تؤثر على ضغط الدم لهذا هي المادة الآمن في التخدير، وتستخدم بدرجة أولى في حالات الحوادث ومشاكل القلب وعلميات الأطفال".
ويضيف باحكم: " تسبب مادة الكيتامين أيضًا غير الهلوسات الكلامية والسمعية، الكوابيس المزعجة كأن يرى المريض أثناء التخدير أنه يصعد مرتفعًا شاهقًا".
ومادة الكيتامين كمسحوق قابل للاستخدام تتكون من هيدروكلوريد الكيتامين (ketamine hydrochloride) المرسب، ثم يتم فحص نقائه من خلال التحليل بالآشعة تحت الحمراء (FTIR)، والآشعة فوق البنفسجية (UV) حتى يصل إلى درجة التركيز المطلوبة، ثم يُعبأ في عبوات بلاستيكية وتخزن في درجة حرارة الغرفة، عندها يصبح جاهزًا للاستخدام كمهدئ ومخدر.
أما الأخصائي عمر الحامدي والذي قضى (35 عامًا) في مجال التخدير كانت منها عامين في دولة الامارات العربية المتحدة، وكان مدير دائرة العمليات والتخدير والتعقيم بهيئة مستشفى ابن سينا العام إلى وقت التقاعد بداية هذا العام فيقول: " بالنسبة للكلام الذي يقوله المريض بعد التخدير يعتبر طبيًا بحكم الهلوسات، فكل الكتب العلمية تصنفه كهلوسات ولا تضعه كحقائق يجيب التسليم بها".
ويتابع الحامدي: " وتعتبر بمثابة ردة الفعل من قبل المريض نظير ما يحدث له من اختلالات عقلية ونفسية للمريض نتيجة تأثير المواد المخدرة ويظهر ذلك في مرحلة الإفاقة للمريض".
هل يمكن استخدام التخدير الطبي لمعرفة الحقائق وانتزاع الاعترافات:
يقول الأخصائي الحامدي: " من الممكن أن تستخدم المواد المخدرة لانتزاع الاعترافات ومعرفة الحقائق، ولكن ليس بجرعات تخديرية طبية، إنما بجرعات وكميات أخرى، وليس تلك التي تستخدم مع المريض الذي حالته تحتاج لأمر ما صحي".
ويردف الحامدي: " ويسمى هذا النوع بالتحليل النفسي، وهو أن يعطى المريض بعض المواد المخدرة وذلك لاستدراجه ومعرفه بعض المعلومات منه".
معلومات عن هذيان التخدير:
وعن التساؤل هل للضغوط النفسية دورًا في جعل الشخص أكثر عرضةً لهذه الظاهرة؟ يؤكد الدكتور باحكم: " نعم، خصوصًا أولئك الذينَ تكون لديهم مخاوف وقلق كبير من إجراء العملية، وهذا الجانب النفسي هو سبب رئيس لهلوسات المريض أثناء تخديره طبيًا ".
أما عن نسبة الذينَ يتكلمون بعد تخديرهم طبيًا فيقول الدكتور محمد :" بأن أشخاصًا كثر تصيبهم هذه الحالة، ومعظمهم لا يعي بالكلام الذي تفوه به أثناء استفاقته، حتى أن بعضهم يسألك هل تكلمت وأنا مخدر؟! ".
ويجيب الأخصائي الحامدي على هل تصيب حالات الهذيان المريض أثناء تخديره أم تقتصر على ما بعد الإفاقة فقط: " بالنسبة للهذيان وهو في الغالب يحصل أثناء فترة الإفاقة من التخدير، أما أثناء التخدير فالمريض نائم أساسًا. "
دواعي التخدير طبيًا:
ويوضح باحكم الدواعي الطبية للتخدير بالقول: " دواعي التخدير هي العمليات الجراحية بجميع تخصصاتها، وكذلك ممكن استخدمها في المناظير للجهاز الهضمي، وأيضًا في حالات الصدمة الكهربائية للعلاج النفسي. "
وعن الأوقات التي ممكن يستغرقها التخدير كأدنى وأقصى مدة وتوقيت له؟ وما هي العمليات قليلة التوقيت والتخدير؟ وما هي العمليات التي تأخذ وقتًا أطول فتطول مدة التخدير فيجيب: " من ربع ساعة كأدنى مدة للتخدير، إلى 8 ساعات وربما أكثر كأقصى مدة للتخدير، الأمر يعتمد على نوع العمليات،
وبالنسبة للعمليات قصيرة التوقيت فهي كثيرة مثل أخذ عينه للفحص النسيجي أو فحص العين تحت التخدير للأطفال، والعمليات طويلة التوقيت مثل عمليات القلب المفتوح واستئصال ورم البنكرياس. "
ويشير باحكم بأنه للتخفيف من أعراض المواد المخدرة تعطى لهم مادة بنزوديازيبين ( Benzodiazepine) قبل دقائق من تخديرهم.
أما عن كمية وجرعة التخدير يفند الحامدي: " الجرعة التخديريه لأي عقار تعطى حسب وزن المريض، والأمر يعتمد على الهدف المحدد من الأجراء."
تجربة شابٍ ثلاثيني:
يحكي سامي خالد (31) عامًا: " كنت سأجري عملية جراحية في قدمي اليسرى، وكنت أخوف ما أخاف منه أن أستفيق من التخدير على وقع نظرات أهلي لي وسخرية أصدقائي مني بسبب ما تفوت به لا شعوريًا ، أخبرت الطبيب أن لا يدخل أحدًا عليّ حتى أستفيق تمامًا، فمازحني الطبيب قائلًا: ما الذي تخبئه عنهم ولا تريدهم أن يعلموا عنك.
وبعد أن أستفقت من العملية قبل أن أخبر الطبيب عن العملية التي أجريت لي، سألته: هل قلت شيئًا طيلة فترة العملية؟!
كانت تجربةً غريبة ومريبة نوعًا ما، فما أصعب أن تقول ما لا تعيه، وتخوض لمدة من الزمن شعور أن لا تعلم ما قد تتحدث به فيها! ".
الجانب القانوني والأخلاقي:
ومن الناحية القانونية لهذا الأمر الحساس، حيث أن المخدر سريريًا غالبًا لا يدرك ما يقوله، وقد يتحدث غير واعيًا عن أمورٍ ربما تمس حياته الخاصة وحين استماع أحد أفراد العائلة لكلماته قد يتعامل معها كحقائق، لذلك كان يجب معرفة الناحية القانونية لهذا الأمر، الحامدي يرى: " إن أهم مسألة قانونية هي أن إفاقة المريض تكون بدخل غرفة العمليات، وهنا لا يجوز لأي من كان أن يدخل إلى الغرفة مهما كانت الظروف، نظرًا لحرمه وخصوصية هذا المكان" .
وبالنسبة لباحكم فيرى: " إن أهم خطوة قانونية هي فرض وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية إلزاميًًا عمل غرفة افاقة في كل غرفة عمليات".
ومن الناحية الأخلاقية يقول باحكم: " في حالة استماع أحد أفراد العائلة إلى كلام المريض بعد إجراء العملية الجراحية له وهو لا يزال تحت تأثير التخدير الطبي فإننا نخبر الأهل ونشعرهم بأن ما قاله غير صحيح بتاتًا، وهي مجرد هلوسات تحت تأثير المادة المخدرة ولا يمكن التصديق عليها كحقائق. "
أما الحامدي فيقول عن تجربته الطويلة في هذه المسألة: " أتعامل مع كلام المريض بخصوصيةٍ تامة، ويكون تركيزي منصبًا على عملي وإتمام المهمة على أكمل وجه، القانون الذاتي والأخلاقي في هذا المجال هو سر المهنة".
.