«كورونا» يهدد الآفاق الإيجابية للاقتصاد العالمي .. آثار الفيروس تفوق أزمة 2008
الأربعاء 04 مارس 2020 07:18 صباحاً

أطاح فيروس كورونا بالآفاق الإيجابية التي سادت الاقتصاد الدولي، بعد توقيع اتفاق المرحلة الأولى بين الولايات المتحدة والصين لخفض حدة التوتر التجاري بينهما. فالاتفاق عزز القناعات بأن الحرب التجارية بين البلدين تتقلص أو تتراجع لتفتح نافذة ولو ضيقة في الاقتصاد الدولي تسمح له بأن يسترد أنفاسه المتعبة، ويستعيد بعضا مما خسره نتيجة تلك الحرب شديدة التكلفة.
إلا أن هذا التفاؤل ذهب أدراج الرياح نتيجة تفشي فيروس كورونا في الصين، الذي انتقل منها إلى عديد من دول العالم لاحقا. آخر التحذيرات من خطورة تفشي المرض والعجز الراهن عن مواجهته وتأثير ذلك في الاقتصاد الدولي جاء من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي حذرت من أن الاقتصاد العالمي قد ينمو بمعدل أبطأ من نموه عام 2009، وسط توقعات بأن معدل النمو الاقتصادي لهذا العام لن يتجاوز 2.4 في المائة منخفضا عن توقعات سابقة لمنظمة التعاون في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقبل ظهور المرض وتفشيه بأن معدل النمو المتوقع للاقتصاد العالمي 2.9 في المائة.
الأخطر أن تقديرات المنظمة الدولية تشير إلى أن استمرار المرض لفترة أطول وأكثر كثافة، يمكن أن يخفض معدل النمو العالمي إلى 1.5 في المائة، إلا أن تلك التوقعات المتشائمة، رافقها أيضا بعض الآمال المستقبلية بأنه إذا تعافى الاقتصاد العالمي فإن نسبة النمو قد تصل إلى 3.3 في المائة في عام 2021.
وأوضحت لـ"الاقتصادية" سارة نورث المحللة المالية في بورصة لندن، أنه في الأسبوع الماضي شهدت أسواق الأسهم الكبرى أسوأ أداء أسبوعي لها منذ الأزمة المالية عام 2008، حيث فقدت قيمة الأسهم العالمية 1.5 تريليون دولار نتيجة المخاوف المتزايدة من فيروس كورونا.
من جانبه يعلق البروفيسور مورجن براون، رئيس وحدة التحليل الاقتصادي في جامعة أكسفورد والخبير في الاقتصاد الدولي قائلا، "تأثير فيروس كورونا في الاقتصاد الدولي أكبر من الأزمة المالية التي هزت العالم خلال العقد الماضي، فالصين بمفردها تشكل ثلث الصناعة التحويلية على المستوى العالمي، وهي أكبر مصدر في العالم، وقد انخفض النشاط الفعلي في الصين بمعدل قياسي في شباط (فبراير)، وتراجع المؤشر الرسمي للنشاط الصناعي – مؤشر مديري المشتريات إلى 35.7 في شباط (فبراير) مقابل 50 في كانون الثاني (يناير)، وهذا الانخفاض اقل بكثير من توقعات المحللين وسيكون له تأثير غير مباشر في الدول الأخرى".
ووفقا لموقع بلومبيرج الاقتصادي، كانت المصانع الصينية تعمل 60 إلى 70 في المائة من طاقتها خلال الأسبوع الماضي، بينما تبلغ تقديرات بنك مورجان ستانلي، أن المصانع الصينية تعمل بما يراوح بين 30 إلى 50 في المائة من طاقتها، ويشير هذا المعدل إلى أن نمو الاقتصاد الصيني خلال النصف الأول من هذا العام سيواجه تراجعا كبيرا، وإذا أخذنا في الحسبان أن الصين وعلى الرغم من تراجع معدل نموها الاقتصادي في الأعوام الماضية لا تزال تعمل كقاطرة للاقتصاد الدولي، فإن تراجع أداء الاقتصاد العالمي هذا العام قد يكون حتميا ولا فرار منه، لكن بلغت خسائر الصين وخسائر الاقتصاد الدولي جراء فيروس كورونا، كما يقول جرين جولدنج الخبير الاقتصادي، إن التقديرات الصينية شبه الرسمية تشير إلى أن خسائرها خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) تقارب 200 مليار دولار، وأن تفشي فيروس كورونا كلف صناعة السياحة الصينية 128 مليار دولار، بينما من المحتمل أن يكون تراجع إنفاق المستهلكين على الطعام والشراب قد انخفض بما يقارب 60 مليار دولار.
ولكن جرين جولدنج يتشكك في تلك الأرقام ويعدها هادئة وتهدف إلى تخفيف حدة الخسائر.
ويعلق لـ«الاقتصادية» قائلا، "في الواقع معظم خسائر الصين الاقتصادية لم تأت من الفيروس ذاته، لكن من الجهود المبذولة لمنع انتشاره، إذا لجأت السلطات لإغلاق المصانع، ومنع حركة السفر المرتبط بالأعمال، وكذلك نقل البضائع وانتقال العمال، والخوف من الفيروس دفع الأشخاص إلى تجنب أنشطة يعتقدون أنها قد تعرضهم إلى خطر الإصابة به، ولذلك فإن المطاعم ودور السينما ومقدمي خدمات النقل والفنادق والمتاجر توقفوا عن العمل، كما أن توقيت الأزمة التي ترافقت مع عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، يعني أن الصناعات تعرضت بشكل خاص للخسائر التجارية ".
ولا يوجد مصدر مستقل يمكن أن نثق به لتقدير خسائر الصين، لكن هذا قد يتضح بعد أن تهدأ العاصفة، والنمو الصيني خلال الربع الأول من هذا العام قد يراوح بين 3.5 - 4 في المائة.
ولكن ماذا عن الخسائر الإجمالية للاقتصاد الدولي، وفقا لشركة أكسفورد الاقتصادية الرائدة في مجال التنبؤ العالمي والتحليل الكمي، فإنه إذا انتشر الفيروس إلى مناطق خارج آسيا فإن الدخل العالمي سينخفض 1.3 في المائة، وستبلغ خسائر الاقتصاد الدولي 1.1 تريليون دولار إذا تحول المرض إلى وباء، مما قد يفوق في تأثيراته أزمة 2008 وقالت الشركة في تحليل لها إن الفيروس كان له بالفعل "تأثير تقشعر له الأبدان، حيث امتدت عملية إغلاق المصانع في الصين إلى الدول المجاورة، وتأثرت الشركات الدولية"
وبالفعل فإن شركة أبل أخبرت المستثمرين في منتصف الشهر الماضي بأنها ستفشل في تحقيق هدف الإيرادات الفصلية بسبب الانخفاض الكبير في الإنفاق الصيني خلال أزمة كورونا، بينما اشتكت شركة جاكوار لصناعة السيارات من أن قطع غيار السيارات في مصانعها ستنفد إذا استمر فيروس كورونا في منع وصول قطع الغيار من الصين، ويصبح السؤال ما الحل؟
فليب راسل الخبير السابق في صندوق النقد الدولي يعد أن هناك حدودا لم يمكن أن تحققه السياسة النقدية التقليدية للتصدي للتداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا.
وقال، "إذا تعطلت سلاسل الإمداد وأغلقت المصانع فمن غير المرجح أن يساعد تخفيض أسعار الفائدة كثيرا، فإذا كان الناس لا يريدون الذهاب إلى المتاجر أو تناول الطعام في المطاعم أو السفر على متن الطائرات أو الإقامة في الفنادق، فإن الائتمان الرخيص لن يحدث فرقا كبيرا، وفي عديد من الدول أسعار الفائدة منخفضة بالفعل".
ويعتقد فيليب راسل، أن احتمال خفض سعر الفائدة يوفر دعما نفسيا، لكن الأهم من وجهة نظره البحث عن طرق لتشجيع البنوك التجارية على تقديم الدعم المستهدف للشركات التي تكافح من أجل سداد القروض بسبب تأثر أعمالها نتيجة فيروس كورونا.
.