فيلم جيد في موسم باهت.. هل يستحق "صندوق الدنيا" المشاهدة؟

بدأ الأسبوع الماضي عرض الفيلم المصري "صندوق الدنيا"، وهو من إخراج وتأليف عماد البهات، وبطولة كل من باسم سمرة وخالد الصاوي ورانيا يوسف، وعدد آخر من الممثلين.
ويشبه هذا الفيلم أفلاما أخرى عديدة ظهرت في السنوات الأخيرة، يقوم ببطولتها عدد كبير من ممثلي الصفين الثاني والثالث في تراتبية نجوم السينما المصرية، وتقدم قصصا تحتشد فيها الشخصيات، والحكايات، وتحاول نقل صورة واقعية مكررة عن الحياة في المجتمع المصري، فأين يقف "صندوق الدنيا" بين كل هذه التجارب؟
رواة متعددون وقصص منفصلة
ينقسم سيناريو فيلم "صندوق الدنيا" إلى قصص منفصلة، لكل منها أبطالها، وسرديتها الخاصة، ولكن يجمع بينها وحدة الزمان والمكان؛ فالأبطال كلهم يتجمعون في حي وسط البلد المصري، وتدور الأحداث في ليلة واحدة.
يبدأ الفيلم بقصة الممثل باسم سمرة، سائق حافلة الأجرة (الميكروباص) الذي يذهب إلى القاهرة مع بضع نسوة لحضور المولد، ولكن بعد وصوله بقليل يفقد ابنه المراهق، وفي رحلته للبحث يواجه مخاطر كبيرة، ولكن ما قد يكون بداية لفيلم مشوق هو بالفعل نهاية هذه القصة، حيث يكتشف المشاهد سريعًا أنه انتقل لقصة أخرى ومجموعة مختلفة من الأبطال في الحكاية التالية.
وبين قصة الأب وابنه التائه والقصة التالية "الكومبارس" خيط بسيط، هو شخصية بطل قصة الكومبارس الذي يلتقي ابن سائق الميكروباص، وهكذا تتوالى القصص، وبين كل منها خيط رفيع، من شخصية تمر بشخصية أخرى بالمصادفة، فنتعرف على طراز الأغاني أو ما تسمى "العارضة" التي تخون زوجها حتى تستطيع العودة مرة أخرى للعمل، وفي القصة التالية ندلف إلى عالم الزوج المخدوع الذي يرغب في الانتقام لشرفه، ثم نختم الفيلم بقصة الرهان الذي تخوضه ممرضة الطبيب التي توافق على الزواج عرفيًا حتى لا يفوتها قطار الزواج.
وبين كل قصة وأخرى، هناك فاصل صغير عبارة عن فقرة لساحر يقف في الشارع ويجمع حوله المارة ليقدم عروضه، ويتجمع كل الأبطال في النهاية يشاهدون هذا العرض، لا يعرفون بعضهم البعض، رغم كونهم شاركوا في قصص الآخرين بشكل أو بآخر.
عندما ينقلب السحر على الساحر
في القصة الثانية من الفيلم، أو التي أطلق عليها المؤلف والمخرج عماد البهات "كومبارس"، ينتقد المسؤول عن تقديم الكومبارس إلى الأفلام والمسلسلات عالم شعراء وأدباء وسط البلد، الذين يعتبرون أنفسهم نخبة الوسط الثقافي المصري، ولكن في الوقت ذاته يعانون من التعثر المادي.
عرّى كاتب الفيلم أوضاع طبقة المثقفين المصريين الذين ظهروا في بداية الألفية ومحيط حياتهم هو وسط البلد، ولكن في الوقت ذاته وخلال الفواصل التي وضعها بين كل قصة وقصة نجد أن الساحر يلقي على المشاهدين خطبا عصماء لا تليق بموضعه الاجتماعي أو ثقافة شخصيته عن الحق والخير والجمال والكفاح والحياة، خطب هي بدورها مدعية، منمقة كأنها خارجة للتو من مقال أو قصة كتبها أحد مثقفي وسط البلد، كما لو أن عماد البهات ينتقد الأمر ويقوم به في الوقت نفسه بلا أي وعي بما يكتبه.
عماد بهات مخرجًا ومؤلفًا
فيلم "صندوق الدنيا" هو الفيلم الأول لعماد البهات بعد توقف 13 عامًا، حيث قدم من قبل فيلمين روائيين هما "استغماية" عام 2006 و"البلياتشو" عام 2007، وكلاهما من نوعية الأفلام ضعيفة الميزانية، ويقوم ببطولتها ممثلون من الصفين الثاني والثالث.
ولكن تجربة "صندوق الدنيا" هي الأكثر تماسكًا بين أعمال عماد البهات الأخرى، والذي لم يقم هنا بدور المخرج فقط، بل المؤلف أيضا، واختار لفيلمه القصص المنفصلة المتصلة بطريقة الراوي المتعدد، حيث في كل فصل هناك راو مختلف للقصة، بأبطال آخرين، وهي طريقة شهيرة ظهرت في العديد من الأفلام، سواء العالمية أو العربية، لكن في هذا الفيلم هي منفذة بالفعل بشكل متقن.
فكل قصة متماسكة ويمكن أن تخلق فيلمًا قصيرًا مكتملا، والأهم عدم طغيان قصة على الأخرى من حيث الطول أو الأهمية، سواء بسبب تفوق شهرة بطل أحد القصص على الآخر، أو أن يكون بطل القصة الثانية عمرو القاضي هو كذلك منتج الفيلم.
في النهاية يمكن اعتبار فيلم "صندوق الدنيا" عملا جيدا في المجمل، وأفضل من أعمال أخرى مشابهة، واستطاع استغلال موهبة ممثليه، وتوظيفهم في قصص مكتوبة بشكل جيد، ولولا الفواصل المدعية لكان بالإمكان القول إن سيناريو الفيلم مثالي في الكثير من النواحي، ولكن ليس من المتوقع أن يحصد إيرادات تذكر في موسم سينمائي باهت.
.