الثلاثاء 28 فبراير 2017 08:37 صباحاً
أحمد عبيد بن دغر.. الأداء المشرّف للشرعية
من الصعب إنكار وجود هفوات كبيرة في أداء السلطة الشرعية في اليمن، بمختلف مستوياتها، وبعض هذه الهفوات يمكن سوْق مبررات عدة لها، لكن الكثير منها يصعب إيجاد مبررات مُقنعة لها، حتى في ظل الظروف غير المستقرة التي تعمل في ظلها الشرعية.
ومن نافلة القول إن الحكومة الشرعية كادت أن تصبح عقب الانقلاب، اسماً معلّقاً في الهواء بلا مؤسسات ولا هيكل أداري ولا موازنة.. وقد بلغ الوضع أوج الصعوبة عقب إفلات الرئيس عبدربه منصور هادي من قبضة الانقلابيين في صنعاء الى عدن ثم مغادرته منها هي أيضا، غير أن عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، أسهمت شيئا فشيئا في ضخ الحياة في عروق السلطة الشرعية. وقد ظلت العاصمة السعودية الرياض مقرا مؤقتا للقيادة الشرعية، إلى حين تحرير مدينة عدن بوصفها العاصمة المؤقتة التي لم تخل بعد التحرير من ظروف عدة أعاقت تفعيل أداء الشرعية على الوجه المطلوب.
وبالنظر إلى فترة الـ 23 شهرا التي انقضت منذ بداية عمليات التحالف العربي حتى اليوم، يتبيّن بجلاء، أن فترة دولة رئيس الوزراء السابق المهندس خالد محفوظ بحّاح، كانت وقتاً مهدورا من عمر اليمن، لم تتمكن فيه الحكومة من إحراز أي تقدم في كافة المجالات المنوطة بها، إلى أن جاء يوم الثالث من إبريل 2016 تاريخ تعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر خلفا لبحّاح في رئاسة الوزراء، ويعد هذا التاريخ بداية التحول الإيجابي في الأداء الحكومي للشرعية كمّاً وكيفا.
ولقد ورث الدكتور بن دغر تركة ثقيلة جراء تعثر الأداء في مختلف المرافق المتاحة، وعدم إرساء أية تقاليد سليمة في أداء حكومة يفترض بها أن تكون استثنائية بكل المقاييس وأن تسابق الزمن من أجل تهيئة الأوضاع في عدن تمهيدا لعودة القيادة الشرعية ككل ومن ثم استعادة العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب. ولقد كان بن دغر على مستوى التحدي وأكثر، وعمل بدأب شديد وهدوء كبير، على خلق الانسجام الحكومي أولا، وتلمّس الموارد التاحة والمهدورة ثانيا، ثم محاولة تفعيل أكبر قدر من الطاقات والقدرات ثالثا. وقد ساعده على ذلك عزوفه التام عن المعارك الجانبية وانهماكه التام في العمل.
واليوم وبعد أقل من عام على تعيينه رئيسا للحكومة، يبدو الأداء الحكومي مشرّفا إلى حد كبير قياسا بجملة العراقيل والصعوبات التي تكتنفه، والتي أبرزها وقوع كافة مؤسسات الدولة في قبضة الانقلابيين، والنقص المادي والبشري الهائل في الكادر الحكومي، والاضطرار إلى إرساء تقاليد عمل من الصفر.
قبل نحو أسبوع أعلن بن دغر عن خطة طموحة لاستيعاب العشرة مليار دولار التي كشف عنها الرئيس هادي أنها صارت متاحة للحكومة اليمنية من قبل الأشقاء في المملكة. ويقينا فقد عكست تلك الخطة مدى إلمام دولة رئيس الوزراء بمختلف تحديات التنمية في البلاد، كما عكست تقديرا عاليا للأولويات. واتسمت بقدر كبير من الشمول مشرعة أبواب الأمل في نفس المواطن اليمني الذي أرهقه الانقلاب والحرب التي تسبّب بها الانقلابيون. وواجب علينا جميعا أن نتعامل مع هذه الخطة بشيء من الجدية، نظرا لجدية الرجل الذي تبناها وأعلن عنها.
وكما يتميز أداء الدكتور بن دغر بالدأب دون ضجيج، فإنه يتميز أيضا بنفسية وطنية تتعامل مع جميع أبناء الوطن على السواء دون شللية ولا مناطقية. رجل يحترم الرجال، ويجيد الإصغاء، ويمتلك ملَكة في التواصل مع الناس تشد إليه القريب والبعيد عكس عديدين يلهيهم الواقفون على أبوابهم عن رؤية من هم خلف الأبواب والأسوار.
إلى ذلك، اجتمع لدى بن دغر خاصية فريدة ساعدته كثيرا في التعامل مع التحديات الحساسة للمرحلة، إذ هو إلى جانب كونه رجل دولة من الطراز الرفيع، تدرّج في العمل الإداري منذ نحو أربعة عقود أيام كان رئيسا لاتحاد الفلاحين بعدن، وصولا إلى عمل عمله النيابي ثم الوزاري.. فهو أيضا باحث متعمّق في تاريخ اليمن القديم والمعاصر، بحكم تخصصه الذي حصل بموجبه على درجتي الماجستير والدكتوراة، ويقيني أن العديد من السياسيين انطلت عليهم في الفترات السابقة، مكائد الحوثيين بنسبة أو بأخرى، إلا أحمد عبيد بن دغر صاحب كتاب “اليمن تحت حكم الإمام أحمد”، وهو البحث الذي نال بموجبه درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة عام 2004، كما نال بموجبه أيضا معرفة واسعة بأنثروبلوجيا المجتمع اليمني، وطبيعة التغيرات السياسية والاجتماعية التي أفرزت ملامح التاريخ المعاصر لليمن حلوها ومرّها.
والخلاصة أن الشرعية بقيادة الرئيس هادي، لديها ما تعتز به وتفتخر، وأنها بما تزخر به من الشرفاء في كل ميادين البذل والتضحية، ستصل حتماً إلى مبتغى اليمنيين في استعادة دولتهم وإزاحة كابوس الانقلاب الكئيب من حياتهم.