السبت 06 أغسطس 2016 12:34 صباحاً
ورحل الثلج الأبيض ..!
في داخلي تتآكل احشائي ، يغيب أفقي في غيبوبة يأس ، تلتحف بفيض من تراب الغربة والقنوط ، ورحل الثلج الأبيض ، الطاهر النقي الذي كان يغسل همومنا ، ويذيب اوجاعنا في نهر سجاياه الحميدة ، رحل ( غيلة) بقلبه المثخن بجراحات غيره ، لم يقل : وداعا ، فالكابتن ( عوضين ) في حالة لقاء مع محبيه ، طيف فولتي يجسد فيك رغبة للبقاء رغم ما يكتنز قلبه من مرارة الفرقاء وعلقم الظرفاء ، لم يشأ أن يودعنا وهو الملاك الانساني الذي يعشق الحياة لغيره !
*عوضين زارع الأمل في حقولنا القاحلة ، عيناه تمطران خيرا ، وشفتاه ترويان حلوقنا الجافة والممتقعة بايثاره وروحه التي تسبح في بلازمنا دما مؤكسجا ، ينعش الأمل الطويل والصرح المثيل ، فيك تنبت بذرتنا ، تسقيها مرة ابتسامة ، ومرة زلال من لعابك أحلى من السلسبيل وأشهى من العسل ، ومرات تسقينا من الدمع الأتون ، لتحيي في صحراء قلوبنا الزرع والضرع ، بنى في محراب مهنته مجدا لم يسبقه اليه أحد ، كان يدجن في دواخلنا تلك النفس الامارة بالسوء ، قلب حمل أثقالا من مشاكلنا ومعاناتنا ، وصدر اتسع ليشمل زلاتنا وأخطائنا وأحيانا تفاهاتنا ، لم يعرف الغث يوما ، لسانه مركب ذلول ، ملاح عندما تشتد علينا رياح مشاكلنا الهوجاء ، وجراح عندما نحتاج الى مشرطه النقدي ليداوي علاتنا واسقامنا ، لم ينطق يوما كلمة غثيثة ، ليس على لسانه الا الزين ، أما الشين فيذهب جفاء مثل زبد البحر !
*تغمرني الآن وأنا أكتب بنبض يقطر ألما وحزنا على (عوضين) ، دموعي المدرارة ، أعمه في عيني وسحب الدمع الغزير تحجب أصيل أفقي ، لو البكاء ينفع يا ثلجي الأبيض لبكيتك دما ، ولو الشعر يجدي بوزنه وقافيته لبنيت لك بيوتا تنام فيها تسرح وتمرح في رحابها ، ولدفعتك الى بحوري لتعوم وتسبح في أوعية فكري ، يا ( عوضين) من أين لي الرمح والقرطاس والقلم بعد أن أعلن عزرائيل الحجز عن مكتبة ( عوضين)؟! ومن أين لي خرير ذاكرة ارشيفية تهب رياحها في وجهي كالاعصار ؟! كيف لي أن اسرق غفوة من زمن يعيب فيه الناس الورد و أحمر الخدين؟! من أين استلهم أرقام التاريخ ومصفوفة الأرقام القياسية توارت عن سمائي الداكنة بلوعة الفراق الرمادية ؟!
ليس لي الا أن اعتكف ، أن ارهن نفسي في عزلة (أبي العلاء المعري) ، أن اقاطع بضاعة الوعي واحتمي بمظلة (رهين المحبسين) ، فليكن يا ( عوضين) دعني اجتر مرارة رصيف الوداع ، وأن اتجرع وحدي مرارة الخداع ، وأن ادفن غصة الحلق في ( بلعوم) تداهمه حشرجة الذكرى الأليمة ، لم يعد لي سوى سقف كئيب تعشعش فيه الغربان بنعيقها الجنائزي والبوم بنعيبها التنافري !
* ها قد فقدت وجنتاي بريقهما وتناستا خطهما المرسوم على ذا الخد والثاني ، و أيامي مطر وغيوم ، قل لي بالله عليك يا من لم تقل لنا الوداع ، نعزي من بالضبط في فاجعة رحيلك الاسود الكاحل ؟ !
هل نعزي أنفسنا بخسارة قلم غزير الانتاج والمعاني ، وكلماته تتدفق بين السطور ثم تتجمد في صلابة الفولاذ وتحولها لكمات ؟!
أم نعزي الرياضيين في بلد ينعق عليه الغراب ؟!
هل نعزي الثقافة الجنوبية بكل كيانها وتاريخها الجاثم على صدر أمه ترفض قراءة التاريخ كما يجب أن يكون ؟!
أم نعزي التعليق الرياضية وقد كنت واحدا من أسس أركانه في الجنوب في أيام سادت ثم بادت ؟!
*رحلت يا ( عوض سالم عوض) بكل أرثك الكروي الكبير ، تركت لنا تركة أمجاد لا تعد ولا تحصى ، وبانت نواجذ مدينتك الفاضلة في عقولنا ، فقد خلدك التاريخ عندنا غير الرئيس بدلة الرفاق الرسمية وهرع مسرعا ليشعل شموع مهرجان اعتزالك في ملعب الحبيشي!
كانت بادرة وفاء نادرة أن يلغي الرئيس بروتوكول استقبال رئيس دولة صديقة ، ويصر اصرارا على مشاهدة مهرجان اعتزال (عوضين ) كواحد من ملايين المعجبين بسحر المايسترو الذهبي !
وكان مدرب المنتخب الجنوبي (علي محسن مريسي) يرسم لوحة طريقة اللعب ، ودائما يضع (عوضين) أولا ومن بعده يأتي الآخرون ..!
مرة اعتذر ( عوضين) عن عدم اللعب مع المنتخب لاسباب خاصة تتعلق بسكنه في عدن ، وهنا تدخل رئيس الوزراء وحل مشكلة (عوضين) واهداه شقة سكن ، هي كل رصيده من خدمة الوطن كرويا ، يومها همس رئيس الوزراء وقد كان عاشقا للرياضة في أذن (عوضين) قائلا : المنتخب بدونك يا كابتن لا يساوي شيئا ، وهي نفس العبارة التي تلقفها في ما بعد المعلق التونسي (عصام الشوالي) ليسقطها على (زين الدين زيدان)!
سنظل دخل صندوق عجائبك نستمتع بما فعلته في (الكويت) عندما خلبت ألباب المتابعين وفرضت نفسك كأفضل صانع ألعاب في بطولة آسيا فتم منحك هوية سفير فوق العادة لقارة صفراء فتنها سحرك واسلوب لعبك الرشيق ، وكنت بحركاتك وتنقلاتك اشبه بلاعب بالية ، ترقص وتدفع الخصوم الى الاستمتاع برقصتك!
كلاعب كنت قمة في الأداء والسلوك ، ولقد غادرت الملاعب مكللا بغار حبنا لك ، وهو أكبر كنز يتمناه أي مبدع يعيش حياته زاهدا في الالهام !
وكمدرب رسمت في مفكرة الحذق التدريبي فراسة من يقرأ المباريات بعين صقر جارح وعقل ثعلب يعرف من أين تؤكل الكتف !
أنت من يشم الموهوبين بأنف فأر عرف كيف ينجو من جحيم تسونامي ، وبحس جواهرجي كنت تطرق ذهب المواهب وتعيد تشكيلها وصياغتها لتسر الناظرين !
كنا نشم ذكائك الميداني في تمريرات (عمر البارك ) الحريرية ، وكنا نرى قوامك الممشوق في حرفنة (عبدالله هادي) !
وكنا نستمتع بمجهودك وقدرتك على القيادة في (صالح الحاج)!
وكنا نرى رباطة جأشك في اصعب الظروف في تجليات وغزوات الفاتح الاخضر (خالد عفارة) !
كنا نشم حاستك التهديفية التي لا يعلى عليها في سرعة بديهة الذهبي (شرف محفوظ)!
وكان عطر اخلاقك يفوح في ملاعبنا ومن دربتهم يسيرون على دربك ويعزفون سيمفونيتك على السلام الموسيقية (دو ، ري، مي ، فاصول)!
أنت فينا نخلة باسقة توزع رطبها وهي تحمل ختم ماركتك المسجلة في الشهر العقاري باسمك !
أنت في تخوم قلوبنا ذلك القزاح المائل الذي يتلون بشموخ محبيه وعشاقه !
أنت فينا فجر جديد لغد لم يأت بعد !
أنت فينا نحلة وفوق الكل يعسوب ، يا من ملكت القلوب ، وتملكت عقولنا ، وتلبست بأجسادنا ، وتغطيت برموش عيوننا ، فاضحى التنائي يموج ويلهج بمفردات العاشق الولهان (أبن زيدون)!
عوضين أنت الخل الوفي في زمن المستحيلات الثلاث ، وأنت الصديق رغم ضيق الفراق !