"طيبة" ثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين .. ماذا يعني استهدافها؟
الثلاثاء 05 يوليو 2016 01:45 مساءً
في الوقت الذي كان ينتظر فيه المسلمون تحري هلال شوال إيذاناً بحلول عيد الفطر بعد شهر من الصيام والقيام، وفي حين يتابعون البث المباشر على القنوات السعودية من الحرمين المكي والمدني، كان الخبر الصادم بوقوع تفجير انتحاري بالقرب من الحرم النبوي، ما أسفر عن استشهاد اثنين من قوات الأمن.
فعلى الرغم من قيام الأمن بمنع وقوع كارثة، في ظل الانتشار الأمني المكثف منذ بداية شهر رمضان، فإن الأخطر هو استهداف مكان بهذه القدسية لدى عموم المسلمين، ما يثير تساؤلات عن الجهات المستفيدة، لا سيما أن مثل هذه التفجيرات في أماكن مكتظة كان يمكن أن تؤدي إلى كارثة بسبب التدافع، وهو الأمر الذي تعاملت معه أجهزة الأمن إذ منعت المصلين من الخروج بعد سماع التفجير، فمنعت وقوع تدافع.
- استعدادات أمنية
قائد القوة الخاصة لأمن المسجد النبوي، العميد عبد الرحمن المشحن، كان قد صرح أنه تم العمل على إعداد خطة عمل لاستقبال المواطنين والزوار في ليلة ختم القرآن بالمسجد النبوي، وفق ما يتطلبه الموقف؛ نظراً لزيادة أعداد القادمين والزائرين، سواء من المعتمرين القادمين من خارج المملكة أو المواطنين والمقيمين.
وأشار المشحن إلى أنه "تم الاستعانة بأكثر من 1800 فرد من ضباط وأفراد القوة الخاصة لأمن المسجد النبوي، كلٌّ يعمل فيما خصص له، جنباً إلى جنب مع زملائهم أفراد قوات الطوارئ الخاصة، والدفاع المدني، ومنسوبي الهلال الأحمر، بعد تكوين عمليات مشتركة لهذه المهمة داخل عمليات القوة الخاصة لأمن المسجد النبوي، تفادياً لازدواجية الأعمال".
وتأتي هذه الاستعدادات في ظل محاولات تنظيمات إرهابية وأياد خارجية السعي إلى إثارة الفتن في السعودية، من خلال ضرب المساجد، إلى جانب بعض الأماكن المهمة، حيث تم ضبط عدد كبير من الخلايا الإرهابية.
من المستفيد؟
فور وقوع التفجير، ذهب البعض مباشرة إلى اتهام تنظيم الدولة، المعروف باسم "داعش"، بتنفيذه؛ لكونه أعلن في السابق عن عدد من الهجمات داخل المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من أن ذلك يبقى خياراً، فإن هناك أطرافاً أخرى مستفيدة.
قبيل أيام قليلة؛ حذّر نائب رئيس المنظمة الأوروبية الأحوازية لحقوق الإنسان، طه الياسين، من أن المخابرات الإيرانية سترسل "بعض المرتبطين بها الموجودين في الدول العربية لتعكير أمن الحجاج"، داعياً السلطات السعودية لاتخاذ تدابير أمنية في الدولة لتداول أنباء عن تحضير طهران لعمل إرهابي خلال شهر رمضان في المملكة، وعمليات إرهابية تطول دولاً خليجية.
وقال: "هناك بعض الأخبار والمعلومات تؤكد أن إيران تخطط مع جنسيات خليجية- ومع الأسف بعض السعوديين في المنطقة الشرقية- للتحضير لعمل إرهابي خلال شهر رمضان المبارك في المملكة"، لافتاً النظر إلى أن "إيران ستجير خلاياها وعناصر تنظيم داعش أيضاً في شهر رمضان، وستعطي أوامر بتنفيذ عمليات إرهابية في عدد من دول الخليج العربي، وستزيد من وتيرة إرهابها في هذا الشهر المبارك، لا سيما في السعودية والكويت".
وأضاف الياسين في حديث لـ"سي إن إن": إن "السلطات الإيرانية دائماً تستخدم موسم الحج لأغراضها السياسية، ولزعزعة الأمن في السعودية، إذ إن تاريخ إيران حافل بالجرائم في موسم الحج، هذه هي الدولة الوحيدة التي ارتكبت المجازر، أو تسببت بها، منذ الثمانينيات من القرن الماضي حتى عام 2015".
واتهم الياسين الحرس الثوري الإيراني بأنه كان السبب الأساسي وراء أحداث تدافع منى العام الماضي؛ عبر تغيير سير الحجاج الإيرانيين إلى الاتجاه المعاكس، و"رش المواد والغازات السامة في الممرات والأنفاق".
وتابع: "هناك بعض المعلومات التي وصلتنا من مصادرنا الخاصة في المنظمة الأوروبية الأحوازية لحقوق الإنسان؛ بأن الاستخبارات الإيرانية سترسل بعض المرتبطين بها، الموجودين في الدول العربية، لتعكير أمن الحجاج"، على حد تعبيره.
ماذا يعني الاستهداف؟
تشير عملية الاستهداف في المكان والزمان والتوقيت إلى تعمّد الجهة المنفذة لإيقاع عدد كبير من الضحايا؛ فقد نُفّذت بهجوم "انتحاري"، واستهدفت ثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين حول العالم بعد مكة المكرمة، ووقع في شهر رمضان المبارك وفي العشر الأواخر، وفي يوم ختم القرآن الكريم، حيث يعج الحرمان المكي والمدي بأكثر من أربعة ملايين مسلم.
تجاهل كل هذه المحددات من قبل منفذي الهجوم، يعطي مؤشرات مهمة تتعلق بخلفية المنفذ أو الجهة التي تقف خلفها، إلى جانب التعمّد في تنفيذ العملية بهذه الطريقة، وبهذا المكان والزمان، ما يجعل أصابع الاتهام إما تشير إلى جهات بعينها، أو تشير إلى كيفية استغلال البعض لتنفيذ مثل هذه الهجمات دون مراعاة أي دين في شهر فضيل، ولا حرمة دم المسلم في الحرم المدني.
ويعتبر بعض المتابعين للتفجيرات، التي أثارت ردود فعل كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن استهداف مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو إعلان حرب صريح على الإسلام، من قبل مدعي الإسلام أو آخرين يتخذونه تقية لتحقيق مصالح طائفية.
- مكانة إسلامية
المدينة المنورة، التي يلقبها المسلمون "طيبة الطيبة"، أول عاصمة في تاريخ الإسلام، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة. هي عاصمة منطقة المدينة المنورة الواقعة على أرض الحجاز التاريخية غرب المملكة العربية السعودية.
تبعد المدينة المنورة نحو 400 كم عن مكة المكرمة في الاتجاه الشمالي الشرقي. أُسست المدينة المنورة قبل الهجرة النبوية بأكثر من 1500 عام، وعُرفت قبل ظهور الإسلام باسم "يثرب"، وقد ورد هذا الاسم في القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾. وورد في الحديث الصحيح أن النبي محمد بن عبد الله غيّر اسمها من يثرب إلى المدينة، ونهى عن استخدام اسمها القديم.
تضم المدينة المنورة أقدم ثلاثة مساجد في العالم، ومن أهمها عند المسلمين، ألا وهي: المسجد النبوي، ومسجد قباء، ومسجد القبلتين. وتضم المدينة بين أحضانها الكثير من المعالم والآثار، ولعل أبرزها المسجد النبوي، الذي يُعد ثاني أقدس المساجد بالنسبة إلى المسلمين بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، بالإضافة إلى مقبرة البقيع، التي تعد المقبرة الرئيسية لأهل المدينة، والتي دُفن فيها كثير من الصحابة، ومسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام، ومسجد القبلتين، وجبل أحد، وكثير من الوديان والآبار والشوارع والحارات والأزقة القديمة.
تستمد المدينة المنورة أهميتها عند المسلمين من هجرة النبي محمد إليها، وإقامته فيها طيلة حياته الباقية، فالمدينة هي أحد أبرز وأهم الأماكن، ويسمي المسلمون السور القرآنية التي نزلت هناك بالسور المدنية، ومفردها "سورة مدنية".
.