إمبراطور القمح.."العربي الجديد" يكشف التلاعب بمواصفات قوت اليمنيين

وكانت وزارة النقل اليمنية ممثلة بمؤسسة موانئ البحر الأحمر قد منعت في يونيو/حزيران من العام 2013، الباخرة (سام جون ليبرتي) التي تعود للشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة، التي يرأس مجلس إدارتها فاهم، من إفراغ حمولتها المقدرة بـ65 ألف طن من مادة القمح الألماني في ميناء الصليف، وفي يوليو/تموز من العام نفسه، منعت مؤسسة موانئ البحر الأحمر إفراغ حمولة الباخرة (كابتن ايفن جيليوس ان ام) التي تحمل 55 ألف طن من مادة القمح الأميركي، والمملوكة لنفس الشركة بحسب بيان صادر من الشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة.
أسباب المنع تعددت بحسب ما صرحت به الشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة، التي قالت أن مؤسسة موانئ البحر الأحمر أعلنت أن سبب المنع كون الشحنة مخالفة للمواصفات، وأعلنت فيما بعد أن الحمولة زائدة وبأنها غير قانونية، وهو ما رفضته الشركة، واعتبرته تعنتاً من مؤسسة موانئ البحر الأحمر لإيقاف نشاطها بحسب كتاب رسمي أرسلته الشركة، لكن مؤسسة موانئ البحر الأحمر أعلنت في 7 يوليو/ تمّوز 2013 وقف عمل الشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة (صوامع ومطاحن الصليف) في الميناء، للحفاظ على المال العام بحسب بيان صادر عن المؤسسة.
مُعد التحقيق قام بمقارنة كل ما تم استيراده من قمح والكميات المستوردة التي دخلت اليمن في العام 2013، عبر بيانات الأمم المتحدة المقدمة من جهات رسمية دولية عاملة في مجال تصدير واستيراد القمح، أظهرت تلك البيانات أن روسيا في العام 2013 صدرت إلى اليمن قمحاً مقارباً لنفس الكمية التي كانت على الباخرة (كابتن ايفن جيليوس ان ام) التي ذكرت الشركة أنها تحمل قمحا أميركيا.
ووفقا لخبير اقتصادي فإن أسعار القمح تختلف بحسب بلد المنشأ، فسعر الطن الواحد من القمح الأميركي بلغ 315 دولارا في العام 2013، بينما سعر القمح الروسي في نفس العام كان 209 دولارات للطن الواحد.
شركات أوفشور
لم تكن طريقة إدارة حساب إمبراطورالقمح اليمني، المرتبط بشبكة حسابات تحت مظلة بنك HSBC، إلا واحدة من الحيل المالية المعقدة التي استخدمها فاهم في حركة أمواله التي ربطها بشركات "أوفشور"، وفي "أوراق بنما" المسربة من شركة (موساك فونسيكا)، ارتبط فاهم مع عدد من أفراد أسرته وهن بناته (إقبال وأمل وأشواق)، بشركات أوفشور، إذ سجل محمد فاهم ثلاث شركات أوفشور بين الأعوام 2009 و2014 بحسب الوثائق التي حصل عليها معد التحقيق من جزر العذراء البريطانية وارتبطت ببنوك خاصة في منطقة "الأوفشور" لتسهيل العمليات المالية بين الشركات والحسابات المصرفية وحركة الأموال من وإلى تلك الحسابات.
وتوضح وثيقة تسجيل شركة أوفشور تحمل الاسم غلوسيستر لاند Gloucester Land Limited في جزر العذراء البريطانية بتاريخ 13 مارس/آذار 2014 أسهم وأسماء مالكيها وهم محمد فاهم وبناته الثلاث. وتملك الشركة مكتباً وإدارة خدمات في العاصمة البريطانية لندن. ولم يستعن فاهم بمدراء عادة ما يتم تكليفهم من شركة المحاماة Mossack التي تقدم خدمات تسجيل وإدارة الشركات، وتكون واجهة يختبئ خلفها المالكون الحقيقيون، إذ تكشف وثيقة تسجيل المدراء، أن محمد فاهم وابنته إقبال هم مدراء الشركة.
وكشفت وثيقة موقعة ومرسلة من فاهم بتاريخ 12 مارس/آذار 2014 أن الوثائق الأصلية للشركة وبيانات أعضائها محفوظة في منطقة حدة، صنعاء، اليمن، مع وجود نسخة من كل الوثائق في مقر تسجيل الشركة بجزر العذراء البريطانية.
وتملك الشركة مكتبا آخر لإدارة أعمالها من العاصمة الأردنية عمان، كما ظهر في فاتورة مطالبة بتسديد رسوم، مؤرخة بتاريخ 15 مارس/آذار 2015 مرسلة من شركة Mossack إلى عنوان في العاصمة الأردنية عمان.
ولاستكمال تسجيل الشركة أرسل بنك "SOCIETE GENERALE" (بنك أوفشور يقدم خدمات وتسهيلات أثناء وبعد تسجيل الشركات لعملائه، ويمنحهم سهولة في التحويلات البنكية من مركزه الرئيسي في لندن وفرعه في الأوفشور في جيرسي)، مذكرة مؤرخة بتاريخ 18 مارس/آذار 2014 ويؤكد فيها أن العناوين الخاصة بفاهم وبناته الثلاث المساهمين في الشركة هي منطقة حدة في العاصمة اليمنية صنعاء بغرض استكمال تسجيل شركة Gloucester Land Limited.
إلى ذلك، تُظهر الوثائق أن محمد فاهم المالك الوحيد لشركة أوفشور مسجلة باسم باسم "Commodities Trading and Services Limited" بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 في جزر العذراء البريطانية.
الشركة استمرت تمارس نشاطها حتى نهاية العام 2012، بحسب ما أرسلت شركة Mossack فاتورة مطالبة برسوم إعادة تفعيل الشركة قبل تاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.
اللافت أن شركة ثالثة تم تسجيلها باسم International Trading Commodities Limited، في نفس تاريخ تسجيل شركة "Commodities Trading and Services Limited"، ويملكها محمد فاهم بالشراكة مع شخص فرنسي يدعى اسماعيل فهمي بحسب جواز السفر المرفق في وثائق تسجيل الشركة. وتكشف وثيقة أخرى موقعة من إسماعيل فهمي بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، مطالبة اسماعيل فهمي باعتماده مديراً للشركة.
العليمي والملاذات الضريبة الآمنة
ومن ملاذات إمبراطور القمح إلى خبايا عبدالحافظ نجل نائب رئيس الوزراء اليمني السابق رشاد العليمي، والذي سبق أن ناقش الاتحاد الأوروبي في العام 2011 تجميد أرصدته ضمن أركان نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد اندلاع ثورة الشباب اليمني ضد صالح في فبراير/شباط 2011.
وكان نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي، أحد المسؤولين الذين أدرجت أسماؤهم ضمن دراسة التجميد، وبلغت أرصدته المجمدة في البنوك الألمانية 85 مليون يورو و300 مليون دولار أميركي، بحسب منظمة الشفافية الدولية ومصدر في المعارضة اليمنية وهو ما نشر في الإعلام العربي واليمني بتاريخ 26 نوفمبر 2011.
وشغل رشاد العليمي عدة مناصب هامة بين أعوام 2001 و2012، فعمل وزيراً للداخلية ووزيراً للإدارة المحلية ونائباً لرئيس الوزراء ورئيساً اللجنة الأمنية العليا في اليمن، وكان من الشخصيات المقربة من الرئيس السابق صالح قبل أن يعلن الانشقاق عنه مع بداية العمليات العسكرية لـ"عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد الحوثيين وصالح.
لاحقاً أوقف قرار التجميد، بعد توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 والتي قضت بتنحي صالح عن الحكم وحصوله مع كل من عمل معه على حصانة من أي ملاحقة قانونية، وبحسب البند رقم (3) من المبادرة الخليجية والذي ينص على أنه "في اليوم التاسع والعشرين من بداية الاتفاق يقر مجلس النواب بما فيه المعارضة القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس ومن عملوا معه خلال فترة حكمه".
وهو ما التزمت به كل القوى السياسية ونتج عنه إسقاط أي دعاوى قانونية أو قضائية، بما فيها قرارات تجميد الأرصدة في البنوك الألمانية. ومن خلال هذا التحقيق، نكشف خبايا التعاملات المالية التي أديرت بواسطة عبدالحافظ نجل رشاد العليمي عبر الاستعانة بالملاذات الضريبية الآمنة.
الملاذات الآمنة
أصدرت السلطات اليمنية القانون رقم (30) لسنة 2006 بشأن الإقرار بالذمة المالية، بعد ضغوط مارستها جهات مانحة لليمن منها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لمزيد من الإصلاحات ومحاربة الفساد.
وبعد عامين من إقرار القانون وبالتحديد في أبريل/نيسان 2008 قدم رشاد العليمي - أثناء توليه منصب نائب رئيس الوزراء ووزيراً للداخلية إقرار ذمته المالية، (ضمن 1710 إقرار ذمة مالية قدمها مسؤولون في مختلف أجهزة الدولة)، إلى هيئة مكافحة الفساد متضمنة أملاكه وحساباته البنكية في الداخل والخارج ومصدر تلك الأملاك والحسابات البنكية. علما بأنه لا يمكن الكشف عن محتوى الإقرار المقدم لهيئة مكافحة الفساد، إلا بموافقة صاحب الإقرار أو بطلب من المحكمة، كما يمنع الدستور اليمني أي مسؤول حكومي من ممارسة أي أنشطة تجارية بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحسب المادة (136).
كان لافتاً قيام عبدالحافظ نجل رشاد العليمي بإنشاء شركة أوفشور في الملاذات الضريبية الآمنة باسم "Harvest Resources Investment Co.LTD" في يونيو/ حزيران 2008 بعد شهرين فقط من تقديم والده لإقرار الذمة المالية إلى هيئة مكافحة الفساد.
عبد الحافظ كان قد تنقل منذ تخرجه كمهندس نفط، خلال فترة قصيرة بين مناصب هامة في وزارة النفط وشركة النفط اليمنية، عمل خلالها مديراً لوحدة الرقابة بوزارة النفط والمعادن ومديراً لإدارة متابعة الشركات إلى أن أصبح نائب مدير عام شركة النفط اليمنية للشؤون الفنية في نفس الفترة التي كان والده وزيراً للداخلية.
خلال تولي عبدالحافظ منصب نائب المدير التنفيذي لشركة النفظ اليمنية، (المسؤولة عن تخزين وتوزيع المشتقات النفطية للسوق المحلي واستيراده من الخارج عبر المناقصات الحكومية)، شككت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في صحة المناقصات واتهمت شركة النفط اليمنية بالتلاعب في إجراءات إرساء مناقصات استيراد المشتقات النفطي، بحسب وثائق حصلت عليها "العربي الجديد".
ووفقا لآلية عمل شركات الأوفشور فإن عبدالحافظ العليمي، سجل شركته Harvest Resources Investment Co.LTD في غير بلده (جزر العذراء البريطانية) ومقرها في (هونغ كونع) لتُدار من قبل أشخاص من اليمن والصين.
وتظهر الوثائق أن الموظف الحكومي عبدالحافظ العليمي سجل مهنته كـ"تاجر" في أوراق تسجيل شركة الأوف شور Harvest Resources Investment Co.LTD بتاريخ 10 يونيو 2008، وأوضحت وثيقة أخرى نقل مقر الشركة من جزر العذراء البريطانية إلى مدينة هونغ كونغ الصينية وبشراكة ثلاثة أشخاص صينيين هم: هونق فاي، ورن زونق، ووفينق يلن. وحصل معد التحقيق على وثيقة موقعة من قبل عبدالحافظ العليمي بتاريخ 10 يونيو 2008 لمنح نفسه صلاحيات مدير. وأثناء تسجيل الشركة أرفق عبدالحافظ بياناته الشخصية وجواز سفره اليمني والعنوان الخاص بشركته والتي حددها في حي بيت بوس في العاصمة اليمنية صنعاء.
.