منظمة سويسرية في تقرير هام عن اليمن... كيف صار ضحايا الأمس جلادي اليوم ؟

قالت منظمة الكرامة السويسرية في أحدث تقرير لها: أدى تفاقم الصراع المسلح في اليمن سنة 2015 إلى حالة إنسانية كارثية.
وأضافت أنه في 21 يناير 2015، دخلت قوات المتمردين الحوثيين العاصمة صنعاء واحتلت القصر الرئاسي بعدما انقلبت على نتائج مؤتمر الحوار الوطني.
وقادت هذه الحركة المنتمية إلى الطائفة الزيدية والمعروفة أيضا باسم أنصار الله، انتفاضة مسلحة ضد حكومة علي عبدالله صالح قبل أن تتمرد أيضا على الحكومة المركزية لعبد ربه منصور هادي.
وحسب التقرير بعد أن وضعوا الرئيس رهن الإقامة الجبرية وسجنوا رئيس الوزراء، حل الحوثيون البرلمان في 6 فبراير وأعلنوا عن إنشاء لجنة مؤقتة ومجلس للرئاسة.
وعلى إثر ذلك~ وفقا للتقرير~ وجه الرئيس منصور هادي رسالة إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة يطلب منه إصدار قرار بموجب الفصل السابع يدعو إلى تدخل دولي لوضع حد لتقدم الحوثيين، بالتدخل عسكريا ضد الحوثيين ويبلغه فيها بطلبه السابق إلى مجلس دول التعاون الخليجي.
وجراء ذلك قام تحالف بقيادة السعودية، يضم خمس دول خليجية، إضافة إلى الأردن ومصر والمغرب والسودان بقصف مواقع الحوثيين.
وعاد الرئيس هادي إلى اليمن وجعل من عدن عاصمته الفعلية بعد استعادة السيطرة عليها من قبل الحكومة.
ولفت التقرير إلى أن هذا النزاع تسبب في انشقاقات داخل صفوف قوات الأمن والجيش بين موالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وموالين للحوثيين عدوه بالأمس، وبين تابعين للحكومة المركزية، ينتمون في الغالب إلى القبائل السنية في الجنوب ووسط وشرق البلاد، انتظموا في شكل لجان للمقاومة الشعبية.
وقال التقرير: بينما تستمر الضربات الجوية الأمريكية ضد مقاتلي القاعدة، برزت جماعات مسلحة أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية، وتبنت التفجيرات والهجمات بالقنابل على المساجد الشيعية، لا سيما في صنعاء في مارس.
وأمام استحالة التوصل إلى تسوية للأزمة السياسية، استقال في 15 أبريل المغربي جمال بنعمر المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف باليمن منذ أبريل 2011، وترك مكانه للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وفي 28 مايو، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن محادثات بين أطراف النزاع، لكنها تأجلت عدة مرات.
ولم تؤد آخر جولة من المفاوضات في ديسمبر إلى نتائج مقنعة، واكتفت أطراف النزاع بالاتفاق على عقد مزيد من المحادثات.
""حصار المدنيين""
وفي الجزء الثانى من التقرير قالت الكرامة:
يظل السكان المدنيون الضحايا الرئيسيون للنزاع اليمنى، فهم من جهة يعانون من الضربات الجوية السعودية، بما في ذلك ضد المستشفيات والمدارس، والصواريخ الحوثية من جهة أخرى.
يضاف إلى ذلك أزمة إنسانية حادة تفاقمت بسبب قطع الطرق ومنع مرور المساعدات الإنسانية من قبل الحوثيين.
وفي نوفمبر2015 كانت أعلنت الأمم المتحدة أن مالا يقل عن 5878 شخصا قد قتلوا وأصيب 27867 آخرين منذ بداية النزاع في مارس.
وخلف استخدام الصواريخ من قبل الحوثيين العديد من القتلى والجرحى بين السكان المدنيين، خصوصا في تعز.. وفق تقرير الكرامة.
وفي ذات الوقت كانت تستمر الضربات الأمريكية بطائرات بدون طيار ضد أعضاء تنظيم القاعدة، على الرغم من أن الصراع حجب هذه العمليات في وسائل الإعلام.
ووفقا لمكتب الصحافة الاستقصائية- Bureau of Investigative Journalism- قامت الولايات المتحدة، الأمريكية بحوالي 20 عملية بين يناير وسبتمبر 2015، لا سيما في مدينة المكلا التي تسيطر عليها القاعدة مخلفة العديد من الإصابات بين المدنيين.
""الأعمال الانتقامية ضد الناشطين والصحفيين""
وحيال الاعتقالات والتعسفات التي طالت الصحفيين اليمنيين قال التقرير بدأ منذ سبتمبر 2014الممارسة المزمنة للأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وكل الأصوات المعارضة.
وتحول الحوثيون (ضحايا الأمس) لجلادي اليوم، في حين يبقى مناخ الإفلات من العقاب هو السائد.
وأضاف التقرير: كان المتمردون الحوثيون في السابق ضحايا للتجاوزات مثل الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب من جانب الحكومات السابقة.
واليوم يمارسون نفس الشيء في حق النشطاء الذين ينتقدون سياستهم أو يوثقون انتهاكاتهم.
وأكد تعرض النشطاء السلميون والصحفيون الذين يقومون بتوثيق الانتهاكات المرتكبة من جانب قوات الحوثيين وصالح للاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي والتعذيب، ولقي عدد غير مسبوق من الصحفيين مصرعهم هذا العام.
وحد ذكر التقرير: يعكس هذا القمع إرادة سلطات الأمر الواقع في فرض رقابة ميدانية صارمة على مصادر المعلومات.
وكشف تقرير الكرامة استهداف تحالف الحوثيين وعلي صالح، في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، النشطاء والصحفيين، لا سيما الذين يشتبه في تعاطفهم مع خصمهم الرئيسي المتمثل في حركة الإصلاح، المقربة من تيار الإخوان المسلمين.
مشيرا إلى أنه اختطف أعضاء من تحالف صالح والحوثيين في 9 يونيو 2015 تسعة صحفيين من فندق قصر الأحلام بالعاصمة صنعاء، انتقاما منهم على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواتهم.
وبعد أربعة أشهر على ذلك، وتحديدا في 12 أكتوبر 2015، اعتقل تحالف صالح الحوثيين 29 ناشطا حقوقيا في مدينة إب أثناء تحضيرهم لمسيرة سلمية للمطالبة بتقديم مياه الشرب لسكان مدينة تعز المحاصرة.
وأفرجوا فيما بعد عن عدد منهم، بعد تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، لكنهم احتفظوا بمن اعتبروهم المنظمين الرئيسيين للمسيرة، الذين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز السري.
وعلى الطرف الأخر ذكر التقرير أن الصحفيين والناشطين الذين يعملون في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي يخضعون لقيود شديدة على حرية الرأي والتعبير.
وحسب التقرير لكن ذاك قد يكون له مبرر فالمادة (103) من قانون الصحافة والمنشورات تجرم "انتقاد رئيس الدولة"، وأي منشور "يبث روح الفرقة والشقاق بين الناس"، و"يهدد الوحدة الوطنية"، أو"يشوه صورة الدولة".
في الوقت نفسه، نبهت وزارة الإعلام الحوثية في مارس جميع وسائل الإعلام العاملة في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين أنها معرضة للإغلاق إذا لم تلتزم بالوقوف بصف الحوثيين.
وقال تقرير الكرامة: منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء صادرت القوات الحوثية وحلفائها كل وسائل الإعلام الرسمية وصادرت أو أغلقت كل الصحف والقنوات الأهلية التي لاتخضع لها، ونهبت محتويات بعضها، وتشرد مئات الصحافيين وفقدوا أعمالهم، كما حجبت كل المواقع الإخبارية التي لا تخضع لها.
""ممارسة الاختفاء القسري سلاح سياسي تستخدمه بعض أطراف النزاع""
وفيما يخص الاخفاء القسري قال التقرير كانت هذه الممارسة منهجية في السبعينات، وعانى منها العديد من الضحايا على مر العقود.
ومن القضايا الرمزية في هذا السياق حالة أحمد المسربة، عضو في حزب البعث العربي الاشتراكي، احتجز في السر 33 سنة قبل أن ترفع الكرامة قضيته إلى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري، ويسمح له أخيرا بتلقي زيارة قصيرة من ابنه في أبريل 2014 .
وكان الموظف المسؤول قد وعد بنقله إلى مستشفى للأمراض النفسية للإفراج عنه من هناك، إلا أن مصيره أضحى مجهولاً منذ بداية النزاع.
وبعد إعادة توحيد اليمن في عام 1990، أصبحت ممارسة الاختفاء القسري سلاحا للقمع من قبل حكومة علي عبد الله صالح ضد معارضيه السياسيين بمن فيهم الحوثيين.
وأضاف التقرير: اليوم صارت هذه الممارسة تستخدم بصورة واسعة من قبل قوات صالح والحوثيين، وكذا تنظيم القاعدة في اليمن.
وتوصلت الكرامة سنة 2015 بعدد كبير من حالات الاختفاء القسري لنشطاء أو صحفيين يعملون على توثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل مختلف أطراف النزاع.
ووفق التقرير.. على سبيل المثال، ألقي القبض بين أبريل وأغسطس 2015 على ثلاثة معارضين لتحالف صالح والحوثيين بسبب انتقادهم للتجاوزات التي ترتكبها قواتهم.
كما اختفى محمد قحطان، عضو حزب الإصلاح المعارض، منذ اختطافه في 4 أبريل من قبل أعضاء تحالف صالح والحوثيين.
وفي 5 أغسطس، ألقي القبض على عبدالقادر الجنيد، أحد المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان الذي كان يعبر بصراحة عن رأيه في الأزمة اليمنية على شبكات التواصل الاجتماعي، ليختفي منذ ذلك الحين.
وجاء دور الصحافي صلاح القاعدي بعد بضعة أيام، حيث ألقي عليه القبض ونقل إلى مركز شرطة الجديري بصنعاء، ثم حرم من زيارة أقاربه منذ أن نشرت أخبار عن قضيته في وسائل الإعلام.. كما ورد في التقرير.
وذكرت الكرامة في جميع هذه الحالات التي رفعتها إلى آليات الأمم المتحدة بأن ممارسة الاختفاء القسري قد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، وتعرض مرتكبيها لمتابعات قضائية.
كما أدانت الكرامة في تقريرها المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب في فبراير عام 2015 ، في إطار الاستعداد للاستعراض الثالث للدولة من قبل هذه الهيئة، بالاستخدام الواسع النطاق للاعتقال السري، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي في البلاد.
""مخاوف الكرامة""
ولفتت منظمة الكرامة إلى أن أبرز ما يثير مخاوفها في اليمن هو التالي:
الإصابات في صفوف المدنيين نتيجة القصف من قبل أطراف النزاع والوضع الإنساني الكارثي في البلاد.
ممارسة الاختطاف والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي من قبل الحوثيين وقوات صالح ضد معارضيهم.
الاحتجاز التعسفي، واستخدام التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة.
الإعدامات خارج نطاق القضاء من قبل السلطات والأطراف المتحاربة.
الإعدام خارج نطاق القضاء للمدنيين بطائرات أمريكية بدون طيار والآثارالنفسية على السكان المدنيين، لا سيما الأطفال.
غياب وسائل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
""توصيات""
وقدمت منظمة الكرامة مجموعة توصيات في خاتمة التقرير حيال الوضع اليمني وهي كما يلي:
الامتثال من قبل جميع أطراف النزاع لمبادئ القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
اتخاذ تدابير فعالة لوضع حد لممارسة الاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي.
اتخاذ تدابير فعالة لوضع حد لممارسة التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
مساندة لجنة التحقيق الوطنية المكلفة بتقصي الحقائق حول جرائم انتهاكات حقوق الانسان.
.