من نحن | اتصل بنا | الخميس 13 نوفمبر 2025 07:00 مساءً

الأخبار

حكايات من قلب المقاومة (13): أم في المعبر

- متابعات : الخميس 24 مارس 2016 04:32 مساءً

- أحمد عثمان

ذات يوم خرجت (لول) مع الناس بنية المرور من المعبر.. وهي امرأة في الثلاثينات من عمرها، ولديها أطفال وتحتاج إلى حاجات ضرورية طماطم، بطاطا، أرز، بر.
لا نقود كافية لديها لكنها ستأخذ ما يكفي من البطاطا والطماطم والخضروات لبضعة أيام، أما الأرز والبر، وهذا المهم، فقد حول لها أحد الجيران بقطمة من كل نوع إلى محل المواد الغذائية الذي يملكه، والواقع خارج مربع الحصار.
تجمع الناس حول المعبر.. ممنوع المرور.. كل يوم كان يجري التفتيش والإهانات والتأخير، ثم يسمح للبعض بالمرور، هذا اليوم كان ممنوعاً.
مر الوقت (ولول) مصرة على المرور، والعودة إلى أطفالها الصغار، فلا يوجد غيرها يهتم بأمرهم بعد أن فقدت أباهم جراء قذيفة مدفع سقطت على عربية البطاط الخاصة به في الشارع العام بمدينة تعز بداية اقتحام المدينة؛ حينها تمزق جسده أشلاء ومعه طفلة وأمها وقفت تشتري منه البطاط.
تتحدث (لول) مع نفسها بصوت عالي: كيف ارجع بدون غداء؟ مو أقول لعيالي؟ والله ما أرجع إلا بغداء لعيالي وإلا ميت.. وربي شتولى أمرهم وأمر الظالم.
البعض عادوا والآخرون انتظروا بعيداً، لكن (لول) كانت مصرة على المرور تحاورهم.. تترجى تتوسل، وتلح.. وأخيرا مرت وكأنها حققت معجزة.
لم تغب سوى ساعة أو أقل لتعود محملة بالبطاط والطماطم و(قطمة) أرز و(قطمة) بر، كانت منتشية وسعيدة وكأنها حصلت على الدنيا من أطرافها.. تستعجل الخطى إلى صغارها (هديل) و(محمد) و(جميل).
اقتربت من نقطة المعبر، وقبل تجاوز النقطة سقطت على الأرض؛ تدحرج ما تحمله، وسالت دماء (لول) في الشارع، فقد قنصها من سمح لها بالمرور والعودة.. هكذا يتسلون بالإنسان ويستخدمونه كـ(نصع).
عندما سقطت (لول) مضرجة بدمائها شوهدت وهي تحاول لملمة حاجاتها المبعثرة دون جدوى!
الأكثر وحشية أنهم منعوا إسعافها وعندما اتجه شخصان لإسعافها ضرب عليهم الرصاص وجرح أحدهم.. كان المشهد موحشاً وحزينا.. فإصابة (لول) ليست خطيرة؛ لكنها تنزف، وكلما اقترب أحدهم منها ضرب عليه نار.. لقد حكم على (لول) بالموت هكذا بالمزاج، وهذه قيمة الإنسان عند هؤلاء المتوحشين!
وبعد ثلاث ساعات تقريباً، سمح بالاقتراب منها، اسعفت إلى المستشفى، حاول الحاج (عبد الغني) أن يعرف اسمها وعنوان بيتها، ليتواصل مع اسرتها، لكنها كانت في الرمق الاخير ولم يسمع منها سوى كلمات متقطعة: ياربي.. بدون غداء.. أمانتكم (عيالي).
عندما وصلت المستشفى كانت جثة هامدة، وكان قلب الحاج (عبد الغني) يتقطع من وجع الحزن وصوتها يرن في اذنه: (يا ربي.. بدون غداء.. امانتكم عيالي)..
وبدلا من عودة (لول) إلى صغارها عادت جثة إلى ثلاجة الموتى!!
هي قصص مكررة ومألوفة، القنص عمل يومي، ملازما للحصار، أحيانا يقنص أي متحرك؛ شيخ.. امرأة.. طفل.. رجل.. بقرة.. قط.. كلب، عبث بالأرواح بشكل لم يجرِ حتى في أشد العصور تخلفا وهمجية.
في الجانب الآخر (هديل) سبع سنوات، وأخواها (محمد) خمس سنوات، وجميل ( ثلاث) سنوات ينتظرون أمهم التي خرجت صباحا ولم تعد..
الساعة الخامسة عصرا.. أخرج الجوع والقلق (هديل) وأخويها إلى باب البيت ينتظرون أمهم، كأفراخ مفزوعة من المجهول..
مر عليهم جارهم (حمود)، ورآهم خائفين.. (هديل) تحملق نحو الطريق كأنها تنتظر قادم طال انتظاره:
ـ مو تعملي يا (هديل) أنت واخوانك؟
ـ نشارح أمي ما روحاش.
ـ وينه؟
ـ سرحه تندي لنا غداء.
ـ متى خرجت؟
ـ الصبح.
ينظر حمود إلى ساعته.. الساعة الخامسة عصرا:
- عجيبة وعادكم ما تغديتوش!
ـ لا. نشارح أمي تعمل لنا غداء.
(حمود) وقد بدأ يقلق.. أحس بأن أمرا ما حدث.. فلا يمكن للأم (لول) الحريصة على أن لا تتأخر كل هذا الوقت بدون سبب، فحاول أخذهم إلى بيته..
ـ هيا هيا يا (هديل) أنت وإخوانك معي البيت نتغدي لما ترجع أمك.
ـ لا. شنشارح أمي.
ـ أنتم جياع؟
ـ أيوه.
ـ طيب تعالوا نتغدى وشترجعوا يالله يا أبطال.
ـ لا .. شنشارح أمي.. أمي (شتغاري).. أمي شترجع الآن..
وعادت (هديل) تحملق في الطريق، تمط عنقها تستمطر طيف أمها، ولا تدري المسكينة أن أمها خرجت ولن تعود!


*يمن مونيتور

 

.

 
المزيد في الأخبار
نقل  موقع "عدن الغد" عن مصدر وصفه بالمسؤول،القول ان الاجراءات الحكومية جارية لدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، خلال الايام المقبلة بعد ان اودعت المملكة
المزيد ...
تقرير خاص:  أثارت منشورات حديثة على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن رؤية سمكة قرش ضخمة قرب جسر البريقة في عدن، موجةً من الفضول والقلق بين الأهالي، لاسيما وأن
المزيد ...
    عدن – الخميس 13 نوفمبر 2025   تشهد مدينة عدن تدهورًا متزايدًا في خدمة الكهرباء، حيث بلغت ساعات الانقطاع حتى الساعة 12:30 بعد منتصف الليل 14 ساعة مقابل ساعتين
المزيد ...
    لحج /حكيم الشبحي   ترأس محافظ محافظة لحج اللواء ركن احمد عبدالله تركي صباح اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025م اجتماعا موسعا ومهما عقد في مكتب مدير عام مديرية تبن
المزيد ...
 
 
أختيار المحرر
بودابست - انطباعات زائر الحلقه الاولى
بانوراما الأداء الجنسي للرجال.. أسباب تراجعه وكيفية الحفاظ عليه
أحمد سويد ينحت معالم المكلا ليصبح هو من معالمها!
من التهام الطعام بسرعة إلى الإضافات الضارّة بالقهوة.. خبراء: 6 عادات صباحية تمنع إذابة دهون البطن
آخر الأخبار
الأكثر قراءة
مقالات
    لم يكن الأستاذ عقيل مجرد مدير مدرسة أو قائداً إدارياً، بل كان نموذجاً للعقل والحكمة والإنسانية
  من قال إن الأماكن جدران وهياكل تأوي من بداخلها؟ من الذي أكد أنها مجرد مواد صماء تُطوع وتُبنى؟ إن الأماكن
    ها قد طل عصر الكيوبتات التي تعمل كأياد خفية تمسك بخيوط المعرفة وتنسج منها المستقبل. تحلق فوق البيانات
    تستقبلكَ منافي الدُّنيا ، وأنت  مَا تزَال  فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِك، تبحث لاحلامك الجميلة  عن
اتبعنا على فيسبوك
جميع الحقوق محفوظة لـ [أنباء عدن-إخباري مستقل] © 2011 - 2025