سوريا تضع العلاقات السعودية الأردنية أمام اختبار جديد
قالت صحيفة المونيتور الأمريكية إن السعودية ستمارس ضغوطًا على الأردن للمشاركة في تحالف بري يستهدفتنظيم داعش في سوريا ويقطع الطريق على المشروع الإيراني في ذات الوقت، معتبرة أن ذلك يضع علاقة المملكتين المتحالفتين أمام اختبار جديد.
وذكرت الصحيفة أنه يمكن سماع قرع طبول الحرب الخافتة في العاصمة الأردنية بعد أن أعلنت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في 4 فبراير و7 فبراير على التوالي، أنهما ستكونان على استعداد للمشاركة في هجوم لتحالف بري في سوريا للقضاء على تنظيم داعش.
وتزايد هذا الحديث في الغرب بعدما فُسرت زيارة الملك عبدالله الثاني إلى أوباما على أنها مشاورات حول حجم التدخل البري الأردني القادم في سوريا حسب تصريحات الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس القائد السابق لقوات التحالف (الناتو) لمحطة سي أن أن الأمريكية، في إطار الخطة “ب” التي ستنتهجها أمريكا في حال فشلت الهدنة في سوريا، ولكن المراقب لتطور الأحداث في الشرق الأوسط وتحركات الجيوش في المنطقة سيفهم ضمنا أن الخطة “ب” هي الخطة الرئيسية أساساً.
ورصدت المونيتور تعليقات لصحفيين وسياسيين أردنيين حذروا من انزلاق الأردن إلى ما وصفوها بمغامرة غير محسوبة في سوريا.
ولفتت الصحيفة إلى التخوف الذي تعيشه عمان من أن توضع بين خيارين أحلاهما مرّ، كأن تعيش مرحلة غزو الكويت ثانية، أوأن تنخرط في الدوامة السورية، ويبرز هذا التخوف في الصالونات السياسية وبين أسطر مقالات المحللين ومقابلاتهم.
وتنقل عن السياسي محمد أبو رمان قوله :” إن ملامح مستقبل العلاقة السعودية- الأردنية بدأت تظهر، فهناك ما لا يقل عن ثلاثة كتّاب سعوديين مؤثرين قد انتقدوا استجابة الأردن الضعيفة للاعتداءات التي طالت السفارة السعودية في طهران بداية يناير 2016، بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر”.
وأضاف أبو رمان:” إن الكاتب السعودي جمال خاشقجي، انتقد دولا عربية حيث وجه رسالة واضحة عندما قال (إما أن تكونوا معنا أو ضدنا). ويرى أبو رمان أن رسالة خاشقجي كانت موجهة إلى عمان، وأن مثل هذه الانتقادات للأردن الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على المساعدات المالية السعودية هي مؤشر على العلاقات الفاترة بين عمان والرياض، وخاصة خلال الأزمة السورية.
ويرى المحللون أن العاهل الأردني حاول منذ بدء الصراع السوري في مارس 2011 الحفاظ على خياراته مفتوحة. وعلى الرغم من أنه انتقد الرئيس السوري بشار الأسد ودعاه إلى التنحي، إلا أنه لم يقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وأصر على إيجاد حل سياسي للأزمة.
في المقابل، فإن السعوديين دعوا صراحة لإزاحة الأسد بالقوة، وبدؤوا بدعم قوات المعارضة. العاهل الأردني، مع ذلك، اتخذ موقفًا متشددًا ضد التهديد المتنامي لتنظيم داعش الذي وصفه بأنه تنظيم خارج عن القانون، في الوقت الذي كانت فيه السعودية تركز جهودها العسكرية في اليمن.
وأشارت الصحيفة إلى أن إستراتيجية السعوديين في سوريا بدأت تتغير بعد تدخل روسيا عسكريًّا في سبتمبر، وترجيح كفة النظام ضد قوات المعارضة. وعلى الرغم من أنها لم تعترف رسمّيًا، أكدت تقارير غربية أن الأردن دربت عناصر للجيش السوري الحر، وكان لها دور أساسي في تزويدهم بالسلاح، خاصة في الجنوب.
وترى الصحيفة أنه من خلال دعم المعارضة المعتدلة، تسعى عمان للحفاظ على الاستقرار لوقف تدفق اللاجئين من جنوب سوريا، والحفاظ على منطقة عازلة بين حدود المملكة ومقاتلي داعش.
*الخيارات السيئة
فيما حذر عدد من البرلمانيين من الخضوع إلى ما يعتقدون أنه ضغط سعودي للانضمام إلى تحالف بري. الحكومة لم تعلق أبدًا على مثل هذا الاحتمال وسارعت إلى نفي تقارير بأنها مستعدة لفتح حدودها لانتقال القوات السعودية إلى جنوب سوريا.
يأتي ذلك في وقت تشارك فيه القوات الأردنية في مناورات رعد الشمال العسكرية متعددة الجنسيات في السعودية هذا الشهر، وهي عضو في تحالف عسكري إسلامي يضم 34 دولةً شكلته الرياض في ديسمبر 2015.
واستشهدت المونيتور بما كتبه سميح المعايطة، وزير الإعلام السابق، في 18 فبراير في صحيفة عمون نيوز:”يشعر الأردنيون بقلق متزايد بشأن المشاركة في حرب برية في سوريا”. وأشار إلى أن العديد من الأطراف في سوريا لديها أجندتها الخاصة قائلًا: “نحن مندهشون أن بعض البلدان تريد الآن قتال تنظيم داعش على الرغم من سيطرته على مناطق في العراق وسوريا لسنوات”.
وأكد المعايطة أن الأردن حذر من خطر داعش منذ البداية، ويجري إستراتيجيته الخاصة لمكافحته.
كما نقل التقرير عن المعلق السياسي عريب الرنتاوي ما كتبه في 10 فبراير في صحيفة الدستور:”يبدو أن الأيام المقبلة، ستحمل في طياتها نذر ضغوط استثنائية ستتعرض لها السياسية الأردنية، فالانجرار وراء مغامرات ومقامرات خارج الحدود “خيارٌ” مكلف لأمن الأردن واستقراره، والاحتفاظ بـ”هامش مناورة” كذاك الذي احتفظت به عمان طول سنوات خمس عجاف، سيبدو أمرًا شديد الصعوبة، وستترتب عليه أكلاف يتعين احتسابها”.
وتابع الرنتاوي:”ما الذي ستفعله القوة البرية التي يجري الحديث عنها، وما هي أهدافها الحقيقية، الظاهر منها والمعلن؟… وهل يمكن للأردن أن ينخرط في حرب لا تتحدد مسبقًا خطوط نهايتها، ومن هم حلفاؤك فيها ومن هم خصومك؟… هل يمكن أن نتخيل سيناريو وقوف جندي أردني في مواجهة قتالية قبالة جندي سوري على سبيل المثال؟… هل نتخيل سيناريو تعرض وحداتنا البرية لهجمات من الحرس الثوري وحزب الله؟… هل نستبعد احتمال تعرض قواتنا إلى ضربات جوية من قبل الطائرات الحربية الروسية؟… هل يمكن التفكير، مجرد التفكير، في سيناريوهات من هذا النوع، ولماذا ومن أجل من؟.
وألمحت الصحيفة إلى أن التكلفة على الأردن لمقاومة الضغط السعودي يمكن أن تكون مرتفعة. ففي عام 1990، رفض العاهل الأردني الراحل الملك حسين الانضمام إلى التحالف المتعدد الجنسيات لطرد القوات العراقية من الكويت، وتمت معاقبته على ذلك ماليًّا وسياسيًّا.
المعلق السياسي حسين الرواشدة أبدى قلقه من أن الأردن الآن يجد نفسه في مواجهة “الخيارات السيئة”. وقال للمونيتور إن الوضع اليوم هو بالسوء الذي كان عليه في يونيو 1967، عندما تم جر الأردن بواسطة مصر للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل.
وفقًا للرواشدة، إذا رفضت عَمّان طلبًا سعوديًّا لفتح حدودها لهجوم بري، فقد يبدو أنها تقف إلى جانب روسيا ونظام الأسد. وقال إن أمام الأردن “خيارًا آخر هو الحفاظ على الحياد الإيجابي والحفاظ على خطوطه مفتوحة مع جميع الأطراف، كما فعل في السنوات الخمس الماضية، ولكن هل سيكون هذا مقبولًا لدى الآخرين الذين يقولون لنا إما أن تكونوا معنا أو ضدنا؟.
وقال أديب الصرايرة، وهو جنرال متقاعد، للمونيتور إنه من غير المحتمل أن تتطور حرب برية إقليمية في سوريا. وأضاف: “الأردن يمكن أن يكون جزءًا من جهد عسكري منسق لمحاربة داعش عن طريق توفير الدعم اللوجستي والتدريب والخبرات العسكرية”.
وقال الصرايرة إن القوات الخاصة الأردنية المدربة جيدًا “يمكن أن تنفذ عمليات نوعية داخل سوريا”. الصرايرة يعتقد أنه في مصلحة الأردن منع المسلحين من تهديد حدوده الشمالية.
وقال أبو رمان للمونيتور إنه يعتقد أن استعداد السعوديين للانضمام إلى الحملة البرية في سوريا هو “مجرد تكتيك”.
وتابع قوله إن التدخل السعودي التركي المشترك في سوريا من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية، وأن الأردن سيكون من صالحه ألا “ينزلق إلى مغامرة عسكرية في سوريا”.وأضاف:”بالنسبة للأردن، الوضع في جنوب سوريا هو من الأولويات، والتعامل مع تغيير الواقع العسكري هناك هو ما ينبغي أن نقلق بشأنه”.
.