كوبا... ماذا ينتظرها بعد طول حصار؟
«ماذا ينتظر كوبا؟»... سؤال بدأ يتكرر وبقوة منذ أن أعادت الجزيرة الكاريبية علاقتها الديبلوماسية مع الولايات المتحدة وفتحها صفحة تاريخية جديدة أنهت قطيعة طويلة قاربت النصف قرن عاشت خلالها كفافاً وشبه عزلة، بسبب حصار الجارة «العملاقة» لها. لكنها ومع ذلك تمكنت من الصمود واحتفظت باستقلالية وخصوصية صارت مثالاً. من هنا يتساءل كثر من الناس اليوم ومعهم الوثائقي، الذي عرضه التلفزيون السويدي، عما إذا كانت ستتأثر بانفتاحها الجديد على ذلك العالم والأيديولوجية التي طالما قاومتها وبرّرت بها داخلياً سبب أزماتها الاقتصادية وتشددها مع معارضيها، الذين فضل قسم كبير منهم هجر دولة كاسترو «الشيوعية» والإبحار إلى الضفة الأخرى حيث يعيش خصومه الرأسماليون!
في محاولته الإجابة عن السؤال يدخل الوثائقي مدينة بينار دل ريو برفقة مهاجر ترك بلاده منذ قرابة ثلاثة عقود، وعاش في ولاية ميامي الأميركية. دخل معه الى مدينته التي لم يتعرف الى بيت أهله فيها لطول غياب ولتغير ملامحها القديمة. لم يشأ الوثائقي أن يتابع تفاصيل عودة المهاجر فلاديمير سانتوس والاشتغال على جوانبها العاطفية فاقترح عليه أن يكون شريكاً معه في رحلته الى العاصمة هافانا ليستعين به في معرفة التغير الحادث فيها منذ مغادرته لها وكيف يراها الآن بعد رجوعه إليها. يقر العائد بوجود تغيير كبير وبخاصة في مجال الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة والاتصالات، فمحلات الإنترنت موجودة في كل مكان والأمكنة التي فيها «واي فاي» ليست قليلة. وبعد لقاءات مع شباب من الجيل الجديد تأكد له أن التغيير لم يحدث لحظة اعلان بدء العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بل سبقها بسنوات حيث اضطرت كوبا وللحد من هجرة الشباب الواضحة الى فتح أبوابها قليلاً على العالم، وهذا ما لم يكن يعرفه المهاجر، وظل طيلة الوقت معتقداً بعزلة الكوبيين التامة عن العالم الخارجي.
ثمة انفتاح في المجال الاقتصادي أيضاً، ومن خلال مقابلة سوراميس كونتي أَلمّ الوثائقي بحقيقة وجود مشاريع خاصة غير حكومية تعمل هي في واحدة منها. تقول: «تركت عملي كمهندسة كومبيوتر واشتغلت عاملة ثم كشريكة لصاحبة مصنع ملابس، يدر عليّ ربحاً أضعاف ما كنت أحصل عليه من وظيفتي الحكومية». برفقتها يذهب فريق العمل لمقابلة صديقة لها تعيش مثلها من العمل الحر وعكسها تهتم بالسياسية وتريد من دولتها أن تستثمر علاقاتها الجديدة مع أميركا لمنع الشبان من الهجرة عبر توفيرها مناخاً جيداً للاستثمار الخاص والعمل على تقليل البطالة فـ «بسببها يفكر معظم الكوبيين بالذهاب الى المكسيك ومن هناك الى مناطق أخرى من العالم». لم يأتِ أحد من الشباب على ذكر الجوانب السياسية وقلة حرية التعبير وغيرها من المسببات القوية لترك البلاد، حتى أن المهاجر العائد لاحظ اختفاء رجال الشرطة من زوايا الشوارع، التي كانوا في زمانه يحتلونها ويراقبون من خلالها حركة القادمين والخارجين منها. التغيير الحاصل ليس بالدرجة الكبيرة التي توحيها أحاديث الشابتين، فتجربة أحد سائقي التاكسي تقول غير ذلك. فأماندو خوسيه الأربعيني يقود سيارته القديمة موديل 1952 منذ أكثر من عقدين ويواجه المشاكل القديمة ذاتها: قلة الدخل وصعوبة تأمين حياة جيدة لأطفاله. إنه ببساطة لا يأمل بتغيير قريب ما دامت حال سيارته سيئة وقطع غيارها مفقودة بسبب مقاطعة البضائع «الرأسمالية»!.
لا تبتعد وجهة نظر الشاعر نيلسون سيمون صديق المهاجر عن وجهة نظر السائق وغيره من سكان الجزيرة إلا قليلاً فهو يقر بصعوبة التغيير ما دامت عقلية قادة البلاد هي نفسها، لكنه يعول على الانفتاح الجديد الذي قد يدفعهم الى الإسراع باتخاذ خطوات يراد بها احداث توازن بين ما يريدون ويؤمنون به من افكار وبين ما سيأتي من الضفة الثانية أو «في الحقيقة بدأ يأتي وبدأ الناس يقارنون بين حياتهم وبين حياة البشر في الطرف المقابل وإذا ارادوا حقاً أن تعود كوبا كما كانت من قبل مركزاً للكاريبي فعليهم شد الشبان اليها وترك الناس يفكرون كما يشاؤون، فالأفكار لا يمكن حبسها مثلها مثل القصائد والأغاني تعبر المحيطات من دون استئذان».
في نهاية الوثائقي يستعرض حصيلة ما جمعه ويقر بحلاوة روح الكوبيين وحبهم للحياة وبأن التغيير المنتظر آتٍ ولا أحد يمكنه وقفه، لكن السؤال الملح هو: هل سيكون سريعاً أو بطيئاً يطيل انتظار بشر طالما حلموا بأن تكون جزيرتهم الرائعة مشرعة للريح والسفن!
.