تشبث الصوماليون بالبقاءرغم الموت والوجع بصمت
عبدالجبار ، شاب صومالي الجنسية ، يقطن"البساتين"وهوحي سكني في شمال مدينة عدن جنوب اليمن ، يُعرف بحي الصوماليين أو مقديشواليمن ، بسبب اتخاذه ملجئاًمن قبل الصوماليين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم عبر سنوات .
فضل الشاب الذي يبلغ من العمر 24 عاماً ، البقاء فيالحي رغم الحرب العنيفة بين مليشيا الحوثي وصالح والمقاومة الشعبية الموالية للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ، ولد في عدن ويرفض الإنتقال الى مدينة هرجيسياالصومالية مسقط رأسه الأصلي.
أكثر من 25 قتيلاً بينهم أطفال ونساء من اللاجئين الصوماليين بسبب الإشتباكات بين مليشيا الحوثي وصالح ، عشرات الإصابات ، فيما اضطرت عائلات الضحايا دفن أبنائها بصمت بسبب عدم تمكنها من الخروج خارج الحيمع استمرار القتال، حسبما أكده عبدالجبار .
تحول الحي الذي يقطنه50 ألف لاجيء ، إلى إحدى ساحات القتال العنيف ، وجد الفارون من جحيم الحرب فيبلادهم أنفسهم وسط جحيم أكثر ضراوة ، اضطرت أسر للفرار من الموت الذي يلاحقهم وخوض رحلة طويلة عبر البحر الذي جاؤوا منه ، آخرون لم يستطيعوا العودة إلى بلادهم تنقلوا داخل البلد المضطرب .
عائلات أخرى رفضت الرحيل وتشبثت بالأرض التي أضحت تنتمي اليها كما ينتمي البحر للمدينة ، دفعت ثمن باهضاَ للبقاء المر ، حيث اضطرت الى دفن ضحاياها بصمت والعيش مع الإصابات التي ما تزال أوجاعها قائمة حتى كتابة هذه المادة .
يصحبنا عبدالجبار الى الحي ، حيث تبدو آثار الدمار كبيرة عليه ، ومعاناة تعيش تحت الدمار ، عائلة مكونة من أربعة اشخاص ، سقطت قذيفة على منزلهم وقضت على ولديهما ، تبقى الأب والأم ومنزل نصف مدمر وأحلام شابين لم تسعها "البساتين".
يجد المصابون صعوبة في تلقي العلاج بمستشفيات المدينة ، شابة في العشرين من عمرها أصيبت في الجانب الأيسر من رقبتها بشظايا وما تزال طريحة الفراش ، لم تستطعالأسرة اللاجئة إجراء عملية جراحية لأبنتهم بسبب ظروفها المادية ، اكتفت بالإنكفاء على الوجع والعيش بين الجدران ، ترفض بشكل قاطع تصويرها بحجة أن"صور معاناتهم يتم المتاجرة بها في المنظمات الدولية".
بإمكانك مشاهدة مساكن صغيرة ، أضحت مملوكة لأسر صومالية وتعرف بأسمائهم ، مع مرور الزمن استطاعت بعض الأسر القاطنة البساتين شراء قطع أرض وقاموا بالبناء عليها غرف صغيرة ومتواضعة ، لكنها مع وصول القصف العنيف الى المدينة تدمر البعض منها ، اضطرتللعيش تحت طرابيل .
استطاع الشاب الذي ولد في اليمن تهريب عدداً من افراد عائلته في رحلة شاقة وصعبة لا تقل عن رحلة الهروب من الموت من موطنه الأصلي ، يضيف في حديثه للمشاهد:"عادت زوجتي وكريمتي ورجال يرافقونهم الى هرجيسيالكنهم يشكون أوضاعاً صعبة هناك ".
تكلف رحلة العودة الى"هرجيسا" جواً 200 $ اذا ما انتظمت الرحلات الجوية، وبالباخرة تصل 50$ في الايام العادية ، فيما اختار البعض منهم النزوح داخل اليمن ، يقول عبدالجبار ان عدداً من الأسر فرت الى مدينة المكلا بحضرموت"شرق اليمن" هرباً من جحيم المعارك التي اجتاحت المخيم والى مخيمات اخرى في لحج وأبين .
كونت العائلات الصومالية النازحة علاقات إجتماعية جيدة مع مع أبناء المدينة ، حيث تربطهم علاقات تزاوج متبادلة ، يقول تقرير صادر عن وزارة العدل اليمنية في العام 2010 انه بلغ عدد اليمنيين المتزوجين من صوماليات الى 40 حالة في عام واحد.
يقول عبدالجبار لـ"المشاهد" باللهجة المحلية:"اعتبر نفسي واحداً من أهل هذه المدينة ارفض الخروج منها لا اعرف احداً في هرجيسيا لدينا علاقات هنا في عدن ونعرف الأسر أكثر من أي مدينة اخرى ".
يحاول عبدالجبار جاهداً التغلب على صعوبة الحياة القاسيةفي البلد الذي يعد من أفقر بلدان العالم ، يعمل في فندق بالمدينة من الصباح حتى الساعة الـ10 مساء براتب شهري 30 ألف ريال يمني"150$ " في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد الفاقة والحاجة من قبل سكان المخيم الذين يعانون غياب دعم المنظمات في بلد طحنته الحروب والصراعات .
يقول إن زوجته التي فرت عبر بحر عدن وهي حامل الى "هرجيسيا" ووضعت هناك طفلة في شهرها الرابع ، تنتظر منه مبلغاَ شهرياً ، يشير الى أنه يعمل جاهداً لتوفير 100$ عبر أعمال اضافية بالمساء وارسالها لهم .
وعن الرعاية الأممية من منظمات دولية متخصصة في دعم اللاجئين ، يقول عبدالجبار ان الدعم كان محدود للغاية للايتام ، مشيرا الى أن بعض المنظمات كانت توزع أغذية ، يضيف بحزن " الحرب أوقفت كل شيء".
يشير الى أن الجميع من سكان الحي يكافح من أجل توفير الخبز والمياه ، حيث يعمل الرجال والنساء أيضا في مختلف الأعمال ، فيما يعمل بعض الشباب في غسل السيارات بالمدينة بأسعار رمزية بالكاد تكفي لشراء الخبز .
يتحدث الشاب الذي أكمل تعليمه الثانوي ولم يستطع اكمال دراسته الجامعية ، عن تضرر طلاباً جامعيين كانوا يدرسون في جامعات حكومية مستعينين بمساعدات مالية من منظمات أممية يضيف" شقيقي في المستوى الثاني حقوق ويكافح من أجل إكمال دراسته بعد ان توقف دعمه المالي من قبل منظمات دعم الطلاب اللاجئين ".
ولم يعد أكبر مخيمات النازحين مزدحماً بالساكنين ، إذ قل أن تجد 5 أشخاص يمشون مع بعضهم ، حركة خفيفة وعودة طفيفة من مناطق النزوح في ظل توارد الأنباء عن الإضطرابالأمني الذي تشهده المحافظة التي استطاعت القوات الحكومية في يوليو المنصرم بسط هيمنتها عليها وطرد المتمردين .
انتقلنا الى السلطة المحلية لمحافظة عدن لطرح المعاناة التييعيشها اللاجئون الصوماليون في المخيم ، جرحى الحربالأخيرة هي المعاناة الأكثر حضوراً في الوقت الراهن ويحتاجون لعمليات جراحية ورعاية صحية في مستشفياتحكومية وبعض الحالات تستدعي النقل للخارج .
وكيل المحافظة محمد نصر شاذلي ، ابدى تجاوباً مع ماطرحناه من معاناة الجرحى ، وعد بنقلها لذوي الإختصاص، واعترف بالتقصير تجاه هذا الملف، لكنه تحدث عن قلة امكانيات السلطة المحلية المادية.
ووعد الشاذلي بزيارة المنظمات الدولية والصليب الأحمرللتنسيق حول احتياجات اللاجئين والعمل على تلقيهم للعلاج، مؤكداً توقف أغلب المنظمات الدولية المختصة بالدعم الإنساني للاجئين الصوماليين في اليمن.
وأضاف شاذلي للمشاهد " بابي مفتوح بشكل مستمرلمندوبين من الأشقاء الصوماليين وسأفعل واجبي من أجلانهاء هذه المعاناة للأشقاء مع سلطات المديرية ".
.يبدو عبدالجبار متفائلاً في ختام حديثه لـ"المشاهد" بعودةالحياة للمدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مقراً لها
*صور الخبر مأخوذه من موقع UNHCR
.