"بسطة" كتب مشروع بدبل لمعرض كتاب في عدن
"بسطة " لبيع الكتب المستعملة في عدن هي فكرة شبابية تهدف إلى احياء القراءة في عدن.
عمل مجموعة من ناشطي وناشطات المدينة على مدى أشهر بجمع الكتب والمجلات المستعملة من المجتمع لإقامة معرض صغير "بسطة"؛ وبيعها، ووجدوا من باحة منارة عدن التاريخية طرف مديرية كريتر مكاناً مناسباً لتحقيق الهدف – عدن تقرأ.
حمل المعرض الذي أختتم اليوم فعالياته، شعار "معاً نحو مجتمع قارئ"، تنوعت مجالات الكتب التي بيعت فيه بين الأدبية من روايات وقصص وشعر ونقد، والدينية والسياسية والتاريخية والثقافية والتنمية البشرية، بالإضافة للمجلات العلمية وأخرى خاصة بالأطفال، إلى جانب زاوية خاصة بتوزيع حزمة من الكتب الالكترونية "سوفت كوبي" بشكل مجاني لزوار المعرض، تم إنزالها مسبقاً من مكتبات كونية شاملة متوفرة على الشبكة العنكبوتية، ومن ثم تقسيمها إلى عدة قوالب منها: العنوان، المؤلف، المجال، دار النشر والطباعة والتوزيع، وغيرها بحسب الطلب، كما رافقت أجواء التجول في المعرض تشغيل معزوفات موسيقية عالمية وأغانٍ عدنية ولحجية لقامات غنائية كبيرة.
عن فكرة تأسيس المعرض أوضح الناشط/أحمد محمد عبدالرحمن – أحد المنظمين: "كان محبو القراءة والإطلاع من أبناء المدينة على موعد سنوي مع معرض عدن الدولي للكتاب، ولكن منذ ثلاثة سنوات لم يُقام؛ فكان لا بد من تحرك مجتمعي لسد الهوة الثقافية التي خلفها غياب المعرض، ونتيجة للاهتمام المشترك بين مجموعة من الشباب، سعينا نحو إنشاء مبادرة بهذا الاتجاه، وإيجاد بديل رغم الجهود المتواضعة والإمكانات البسيطة"، مشيراً إلى البداية بتوجيه الدعوة للمجتمع للوقوف إلى جانب المبادرة ودعمها معنوياً ومادياً، من خلال تزويدها بالكتب المستعملة؛ لتعيد تأهيلها وعرضها من جديد، وكذا شراء مجموعة عناوين من الكتب المهمة والمعروفة؛ ليتم بيعها في أروقة المعرض بنصف سعرها الأصلي.
على مدى ثلاثة أيام متواصلة فتح المعرض أبوابه أمام الزوار، أحدهم د.سالم عبدالرب السلفي – قسم اللغة العربية بكلية التربية، الذي زار المعرض بيومه الثاني، وأرفد قسم التاريخ بالمعرض بنسخ من كتاب هو مؤلفه، معرباً عن سعادته بالإنجاز الشبابي في ظل ظروف صعبة، حيث قال: "صحيح أن الحرب انتهت ولكن هناك تبعات وخيمة خلفتها، ولذلك إحداث حراك ثقافي تفاعلي نثبت بأننا موجودون وبخير وفي طريقنا لاستعادة حياتنا بشكلها الطبيعي"، وواصل: "عبر الشباب من خلال المعرض عن حبهم للقراءة والاحتفاء بها؛ فالبحث عن لقمة العيش ليس همهم الوحيد؛ لطالما كانت القراءة جزء أصيل في بينة المجتمع العدني"، داعياً الجميع من مواطنين بسطاء وأكاديميين وجهات رسمية معنية لدعمهم ومساندتهم، من جانبه أشاد الناشط المدني/قادري عثمان بالجهود الشبابية المبذولة قائلاً: "رغم بساطة الفكرة إلا أنها خلاقة، ولها مدلولات عميقة، بتجذير ثقافة القراءة في المجتمع من جديد؛ فبالقراءة يرتقي عقل الإنسان ويتطور ويسمو المجتمع، وبذلك تتمكن عدن المدينة من استعادة مكانتها العلمية والثقافية والأدبية، رغم بشاعة صور الحرب التي تطل من خلف حدود المعرض".
من جانبها أشارت زينة الغلابي - أحد منسقي المعرض إلى أن الكتب الورقية تعاني من الإهمال في عصر الثورة الالكترونية؛ لتأخذ مكانها الكتب الرقمية لعدة أسباب تعود لصالح الأخيرة؛ لذلك وبعد الإعلان عن الإعداد للمعرض، وجهنا الدعوات لجميع شرائح المجتمع بالمساهمة لإنجاحه وتوسيع مجالاته؛ بالتبرع بالكتب المستعملة المهجورة في المكتبات والمستودعات بالمنازل، وكان هناك تجاوب وإقبال كبير – بحسبها، مضيفةً: "جمعنا كمنظمين ومنسقين للمعرض حب القراءة والإطلاع، ومنه تجمع الشباب من حولنا وكبرت الفكرة وتبلورت مشروعاً ذو أهدافٍ كبيرة، من إعادة الاعتبار للكتب والمجلات الورقية، ونشر ثقافة القراءة وترسيخ حب الإطلاع في صفوف الشباب، وتحويله لسلوك يومي لا بديل له ولا غنى عنه"، وواصلت: "للمعرض فوائد قد لا تبدو وتظهر جليةً، ولكنها حضرت وبقوة، فعلى هامش فعاليات المعرض، تبادل الشباب والزوار مهارات وخبرات متنوعة من حيث التعرف على تجارب الآخرين بالإطلاع على عناوين مهمة لم تكن واردة بأذهانهم وبعيدة المنال منهم، وتوفرت الفرصة لهم، كما عُقدت لقاءات ودارت نقاشات عديدة مثرية".
مع الإقبال الكبير الذي شهده المعرض كان لا بد من آلية للحفاظ على ديمومته واستمراره بشكل دوري؛ ولذالك جاءت فكرة عملية تدوير شراء من فترة لأخرى.. وبهذا الصدد أوضح أمجد: "وصل التفاعل معنا إلى حد إرسال الكتب من خارج البلاد لتُعرض في أروقة المعرض، وليست أية كتب، من بينها روايات حصلت على جوائز أدبية عالمية وأخرى رُشحت لها، كجائزتي نوبل والبوكر، بالإضافة لروايات منعت من البيع داخل البلاد لسنوات بسبب حساسية مواضيعها، وكتب هندسية وطبية ليست متوفرة في المكتبات؛ ولذلك تعززت لدينا قناعة التجهيز لمعرض جديد بعد شهر تقريباً، نتيجة كمية الكتب الكبيرة التي وصلتنا من قبل مهتمين بالقراءة والمطالعة داخل وخارج البلاد"، منوهاً إلى أن المعرض القادم سيكون جزء من فعالية ثقافية متكاملة يجري الإعداد والتجهيز لها بعد شهر تقريباً، إلى جانب إقامة معرض صغير متنقل يجوب المدارس الثانوية في جميع مديريات عدن.
رغم تقاعس وغياب الجهات الرسمية المعنية بالثقافة عن تقديم الدعم والأخذ بأيادي المبادرات المجتمعية بأنشطتها المنفذة بجهود ذاتية من قبل أفرادها الشباب وإمكاناتهم البسيطة، وعدم تفاعل دور النشر والطباعة والمكتبات العامة والخاصة، وإغلاق العديد منها أبوابها نتيجة الدمار الذي لحق بها جراء الحرب، والفوارق الكبيرة بأسعار بيع الكتب في المكتبات الخاصة بصنعاء وبعد توزيعها في عدن؛ إلا أن المعرض لقي تجاوباً منقطع النظير من مختلف شرائح المجتمع؛ لتصل رسالة هامة مفادها أن عدن لا تزال منارة للعلم والثقافة.
.