السوريون.. على طريق قوافل الملح
دفعت المأساة الجماعية التي يعيشها الشعب السوري بالرجال والنساء والأطفال إلى الخروج من بلدهم والهروب عبر جميع المسالك التي يمكن أن تكون جسر عبور لهم إلى الأمان حتى تضع الحرب أوزارها في بلدهم.
وكانت تركيا الجهة الأولى التي تبدأ منها المغامرة بالنفس، إما بإيجاد "حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا"، هكذا لسان حال الجميع بعد رحلات عبور المتوسط المهلكة، التي رمت بأحلام المئات منهم في قاع البحر.
وخلال السنة الماضية، وبعد أن طوقت الحدود والسلطات أحلام السوريين، باتوا يلتفون حول كل الحواجز، حتى أضحت رحلاتهم تلك عناوين عريضة في الصحف العالمية، مثل رحلات العبور إلى أوروبا عبر القطب الشمالي، حتى أعادوا بذلك إلى الأذهان رحلات المستكشفين الأوائل.
آخر السبل، والطرق التي ابتكرت للالتفاف حول الحدود، هي طريق عذاب جديد يبدأ برحلة من طيران من لبنان أو مكان قرب من سوريا، إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، البلد الذي لا يحتاج السوريون إلى تأشيرة لدخوله. لكن المشكلة أن موريتانيا ليست المقصد، بقدر ما هي خطوة مثل خطوات معقدة ومضنية وشاقة لعبور البحر أيضا صوب أوروبا.
بالوصول إلى نواكشوط يبدأ رحلة "مسلسل العذاب" التي يقدر طولها بنحو 3 آلاف كيلومتر عبر الصحراء الكبرى، وعبر حدود موريتانيا، ومالي، والجزائر، وهي الدول التي يجب عبورها في خط الرحلة الذي لا يخطر على بال أحد.
تبدا المرحلة الأولى بالوصول إلى الحدود المالية الموريتانية في رحلة تستغرق 1000 كلم، عبر بلدات الحدود (باسيكنو، النعمة)، ثم بالانطلاق مع المجهول إلى صحراء مالي، في مناطق خطرة تعتبر إحدى مجالات التنظيمات المتطرفة (القاعدة، وأنصار الدين)، إضافة إلى الثوار الطوارق، وميليشيات موالية للحكومة.
لكن، وإذ لم تسجل أي حوادث حتى الآن، منذ بدأ وصول اللاجئين السوريين، فإن هذا لا يعني سوى اتفاق الجميع على تركهم بسلام.
وقالت الناشطة الطارقية في العاصمة المالية باماكو "كلتوم عثمان" لسكاي نيوز: "إن الجميع يعرف معاناة السوريين.. من لم يقدم لهم المساعدة هنا (في مالي) فلن يكون سببا في جلب المتاعب لهم".
وتعد مدينة تينبكتو التاريخية شمال مالي، وكذا عاصمة الطوارق "كيدال"، وبلدات في نفس المجال محطات أساسية في الطريق المعبد بالمشاق.
عدد غير قليل من نحو ألفي لاجئ توقفوا في هذه البلدات والمدن، بعد أن علموا أن الطريق الذي قطعوا نصفه لا يزال طوله يتضاعف ويبتعد كل ما اعتقدوا أنهم اقتربوا من نهايته، وبعد أن عرفوا من أهالي المنطقة أنه طريق أصبح للمهربين، بعدما كان مقتصرا على قوافل الجمال التي كانت تجلب الملح إلى تينبكتو في عقود مضت.
فالوصول عبر مدن شمال مالي إلى الجزائر طريق غير معبد ولا يسلك إلا عن طريق عصابات التهريب الخطرة، التي لا تتورع عن تركهم وسط رمال الصحراء، كما تفعل تماما تلك العصابات التي تتركهم وسط أمواج متلاطمة. إضافة إلى الصعوبة التي وجدها من وصلوا إلى الجزائر للعبور إلى أوروبا، إذ تقف السلطات الجزائرية مانعا أمام الهجرة غير الشرعية عبر أراضيها وشواطئها.
وإلى أن تتخذ دول الجوار، وكذا الأمم المتحدة قرارا بشأنهم، سيبقى السوريون في الصحراء مثلهم مثل أهلها الطوارق، يجوبون الصحراء بحثا عن ملاذ يقيهم شرور الحرب، وظل وقطرة ماء لعبور رحلة العذاب الطويلة.
.