الطوائف والتجار ضحايا عمليات الخطف والابتزاز في عدن
عدن – عبداللاه سُميح
في خضم التردي الأمني الذي تعيشه محافظة عدن اليمنية، منذ تحريرها من المليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، منتصف (يوليو/ تموز) من العام الماضي، تبرز عمليات الاختطاف التي تستهدف شخصيات مدنية تجارية لمطالبة أهاليهم بدفع فدى مالية مقابل الإفراج عنهم، كواحدة من أهم التحديات التي تواجه أمن المدينة.
ويمكن لأي فرد أو فرقة مزودة بسلاح بسيط أن تضع لثاماً، اختطاف الهدف المطلوب، حتى وإن كان بين أسرته أو وسط شارع مزدحم بالمارة، الأمر لا يتطلب – بالنسبة لهم – سوى اعتراض سيارته وترجل اثنان من المسلحين لاقتياد الرجل المطلوب إلى حافلتهم الصغيرة، فيما يتجه أحدهم إلى إيقاف السيارات التي تقف خلف سيارة الهدف إلى حين إتمام العملية، ثم يصعد الجميع ويرحلون.
وهذا بالضبط ما حدث في عملية اختطاف التاجر فداء علي، المنتمي إلى “الطائفة البهرية” بمدينة عدن في شهر (ديسمبر/ كانون الأول).
الهدف الأبرز
ولم تكن عملية اختطاف فداء هي الأولى من نوعها، فقد شهدت المدينة قبل تلك العملية 3 حالات اختطاف، تبعتها حالتين أخريين، كانت جميعها تستهدف تجاراً من الطائفة البُهرية، التي تمتنع عن الانخراط في السياسية وتفضل العمل التجاري، وهو ما جعلها تحجم عن الإدلاء بأية تفاصيل حول تفاوض كبارها مع الجهات الخاطفة، لتصبح المعلومات الدقيقة مجهولة وغير متوفرة.
وتوصلت، شبكة إرم الإخبارية، بصعوبة، إلى معلومات من مصادر مقربة من أسر المختطفين، تفيد بأن الخاطفين تواصلوا مع عائلاتهم وطلبوا فدىً مالية مقابل إطلاق سراح ذوييهم، وحذروهم من اللجوء للجهات الأمنية، ووجدوا استجابة كاملة من هذه الأسر نتيجة طبيعتهم التي تجنح إلى السلام وتجنب المشاكل.
وتشير المصادر إلى أن أربعة من مختطفين تم الإفراج عنهم، مقابل 17 مليون ريال يمني تقريباً، إضافة إلى سيارتين من نوع “برادو” و”كامري”، وبقي اثنان منهم رهن الاختطاف لأسباب غير معروفة، رغم اشتراط الخاطفين على ذويهم دفع مبالغ مادية مقابل الإفراج عنهم.
جرأة وسلبية
جرأة عصابة الاختطاف هذه تبدو مستفزة للغاية، لكنها تصطدم بسلبية الطرف الآخر، الذي دأب على تفضيل الاستجابة لمطالب الخاطفين بهدوء دون إبلاغ أجهزة الأمن المعنية، وهو ما عدد عمليات استهداف تجار هذه الطائفة، التي يشتغل معظمهم في تجارة الأرز والبهارات.
ويؤكد مصدر مقرب من عائلة أحد المختطفين، لشبكة إرم الإخبارية، أن العصابة تواصلت معهم واتفقت على موعد لتسليم المختطف واستلام الفدية، لكن مكان إتمام هذه العملية كان أمام باب منزل المختطف في حي “الرزمت” بمديرية “صيرة”، وتمت العملية بسلام، وعقب ذلك ببضعة أيام غادرت الأسرة الكبيرة مدينة عدن بعد الإفراج عن 3 من أفرادها واتجهت نحو مدينة صنعاء.
ويقول المحلل السياسي عبد الرقيب الهدياني، إن الحرب التي أشعلها الحوثيون أغرت جماعات العنف الأخرى، على اعتبار أن العنف يغذي بعضه، وبالتالي انتعشت الجماعات المتطرفة وظهرت مسميات جديدة ولافتات لم يكن لها وجود، وجرائم غريبة طالت فئات عاشت وتعايش معها المجتمع المحلي في عدن في وئام لمئات السنين، ولهذا وجدنا الكنائس والديانات المختلفة في نسيج عدن الاجتماعي.
وأضاف، في حديثه مع إرم، أن التطرف الحوثي المصطبغ بممارسات العنف والإلغاء والقتل واستباحة الدولة وأجهزتها وتجاوزه للقانون والاتفاقات والحوار، أوجد بيئة مساعدة لنشوء العنف الذي راح ضحيته البهريين والصوفيين والسياسيين والعسكريين والأمنيين، وما يزال هذا العنف يمارس جرائمه إلى أن تعود مؤسسات الدولة التي تفرض الأمن والقانون على الجميع دون تمييز.
إثارة الرعب
منذ العام 2011م، الذي شهد ثورة أطاحت بنظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وحتى منتصف العام 2014م، بلغت حالات اختطاف الأجانب نحو 35 حالة، وفق إحصائيات غير رسمية، في بلد استخدم فيه الاختطاف كوسيلة ضغط على أجهزة الدولة.
رئيس قسم علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عدن الدكتور فضل الربيعي، قال إن ظاهرة الاختطاف تنامت في المجتمع اليمني، خلال العقدين الماضيين، وارتبطت بالقضايا السياسية وإن كانت تحمل دلالات غير ذلك، إلا أن هشاشة الأمن وتراجع دوره في ظل ظهور مراكز قوى، فردية وسياسية، حاولت استثمار الظروف السياسية وأقدمت على عمليات الاختطاف لتمارس الضغط على السلطات أو الأفراد.
وأضاف أن الاختطاف في عدن يعدّ ظاهرة جديدة على المجتمع، لكن لا يمكن فهمها دون فهم الحالة العامة التي تمرّ بها المدينة من انفلات أمني وصراعات سياسية وانتشار للسلاح، ولعل هذه كانت محفّزات للبعض للتعبير عن غرائزهم العدوانية والانتقامية.
ولفت الربيعي في حديثه، لشبكة إرم الإخبارية، إلى أن اختطاف أتباع الطائفة البهرية يحمل أكثر من دلالة، لكن أبرزها هو إثارة الرعب لدى الطوائف الدينية بدرجة رئيسية، وهذا يسير في نفس الاتجاه الذي تدفع فيه أجندات خارجية وداخلية، والتي تثير الخلافات الطائفية والأثنية في كثير من المجتمعات، منوهاً إلى أن تلك الظروف مر به العراق بعد سقوطه وظهور خلافات طائفية امتدت لمضايقة المسيحيين على وجه التحديد، ما اضطرهم للهروب من العراق”.
جمع المال
ويقف تنظيم “القاعدة” في اليمن خلف معظم عمليات الاختطاف الحديثة، ويبادر أحياناً إلى شراء المختطف من جهات أخرى نفذت العملية، وهو ما دفع بعض المتابعين إلى الاعتقاد أن التنظيمات المتطرفة باتت تعتمد على الاختطاف لتمويل عملياتها وأنشطتها، خصوصاً بعد أن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحقيقاً صحافياً منتصف العام 2014، قالت فيه إن التنظيم والمنظمات التابعة له حول العالم استطاعوا جمع ما بين 125 و165 مليون دولار من عمليات الاختطاف منذ عام 2008، من ضمنهم 66 مليون دولار تم دفعهم في سنة 2013 لوحدها.
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري، بدد هذه المخاوف، التي يُعتقد أن الجماعات المتطرفة تمول عملياتها “الإرهابية” من خلال وقائع الاختطاف التي تنامت مؤخراً في عدن.
وقال في تصريحات لإرم، إن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” لا ينقصهما المال حتى يسعيان للحصول عليه بهذه الطريقة، ولكن قد يكون هناك عصابات أخرى لا هدف لها من هذه الاختطافات سوى جمع المال، وسيظل هذا الفعل الإجرامي يتهدد الجميع في ظل عدم الإسراع في ترتيب الوضع الأمني بشكل جيد وسريع.
وتابع مستطرداً: “ما تشهده عدن في ظل الفوضى الأمنية الحالية والتي تستهدف شريحة التجار تحديداً حدث خطير، يستهدف شريحة قد يدفع المختطفين مبالغ مقابل إطلاقهم، ولكن أن نربطه بجماعة معينة في ظل عدم وجود معلومة يمكن الجزم بها، فذلك غير دقيق”.
.