كيف تفصل موظفا بالطريقة الصينية؟
يتطلب النجاح الإداري في الصين من أي مدير تنفيذي أجنبي ما هو أكثر من مجرد إلمام بثقافة البلاد.
وكان رجل الأعمال جاي كلارسون يعمل في الصين، وخلال الثلاثة أشهر الأولى له هناك، واجه أول تحد إداري حقيقي، إذ أراد أن يفصل أحد العاملين، لكنه اكتشف سريعا أن ذلك الإجراء لا يحدث دائما بنفس الطريقة في الصين.
كان كلارسون قد أسس فروعا جديدة لشركة تعمل في بيع الأثاث، ومقرها الولايات المتحدة. وكان دوره الأساسي هو إدارة مكتب شنغهاي، وتعيين 70 موظفا إضافيا.
وأعتقد كلارسون أنه سيدير ذلك المقر الجديد بشكل يشبه إدارة شركة غربية، من حيث بناء بيئة تعاونية من موظفين يفكرون بشكل إبداعي. لكن المدير المحلي، وهو رجل كبير في السن عمل مع الشركة لسنوات طويلة، كانت لديه أفكار أخرى.
فقد أصر ذلك الرجل على اتباع نظام صيني تقليدي يتسم بالتسلط، ويعد فيه المدير دائما على صواب. وقد أدت الخلافات المستمرة بينهما بشأن الأسلوب المناسب للعمل إلى أن اضطر كلارسون في نهاية المطاف إلى فصله من العمل.
وقد سارت الأمور على نحو جيد عندما أبلغ ذلك المدير بالخبر، والذي حضر، رغم ذلك، إلى المكتب في اليوم التالي ليمارس عمله كالمعتاد.
قال كلارسون: "لقد أخبرني إنه يشعر بالولاء للشركة، وحتى مع فصله من العمل، سيستمر في الشركة حتى الشهر الأخير من مدة العقد".
وقد أخبره كلارسون أن ذلك ليس ضروريا، وأنه سيحصل على مستحقاته في الحالتين، لكن الرجل أصر على البقاء في العمل حتى انتهاء مدة عقده.
أعد التفكير في أسلوب عملك
كان ذلك هو الدرس الأول من بين العديد من الدروس التي تعلمها كلارسون خلال عمله في الصين، حيث يجب على المديرين الأجانب إعادة النظر في أسلوب العمل، وطريقة اتخاذ القرار وفقا للثقافة المحلية.
وقال سايبال راي، الأستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة ماكجيل بمونتريال في كندا، إن الخبر الجيد هنا هو أن المديرين الأجانب في الصين سوف يتفوقون في أعمالهم طالما أنهم على استعداد للاعتراف بوجود اختلافات ثقافية رئيسية، ولكنها قليلة.
لكن ربما أهم هذه الدروس هو أن الصينيين غالبا ما يعملون لساعات أطول مقارنة بالموظفين الغربيين، كما يقول راي.
ويفترض العديد من الصينيين أنهم يجب أن يكونوا متاحين عبر الهاتف على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأن يحضروا إلى العمل مبكرا، ويمكثوا لساعات بعد أن يغادر رئيسهم في العمل.
ثقافة الساعات الطويلة
العديد من المديرين الأجانب من حديثي العهد بثقافة العمل في الصين سوف يتحركون لتخفيض ساعات العمل، وهم يدركون أن العديد من الدراسات أظهرت أن العمل لساعات طويلة يمكن بالفعل أن يؤثر سلبيا على الإنتاج.
لكن راي قال إنه يعتقد أن ذلك قد يعطي انطباعا خاطئا في البداية لصغار الموظفين، وبدلا من ذلك، ينصح راي باتباع نهج تدريجي في التغيير.
وقال راي: "عليك أن تعطي انطباعا أنك، كمدير، تعمل بجد تماما كما يعمل موظفوك، ثم بالتدريج، يمكنك أن تتحول إلى نظام ساعات أكثر منطقية".
لكن المديرين الأجانب قد يجدون أنهم قد ورثوا موظفين كبارا لا يعبرون عما لديهم من أفكار، كما يقول راي. وستلزم الثقافة الصينية التقليدية أن يظل العاملون متمسكين بمهام عملهم بشكل محدد، دون عرض أية أفكار جديدة، أو التحدث عندما تكون هناك طرق أخرى يمكن أن تنفذ بها الأعمال.
لكن ذلك يتغير بعض الشيء هذه الأيام، ويعود ذلك جزئيا إلى الشركات الأجنبية العاملة في الصين، وبفضل الجيل الجديد الذي يحتمل أن يرفع أبناؤه أياديهم ليعبروا عما لديهم من أفكار.
ويحتاج تغيير ثقافة الشركة داخل الصين غالبا إلى التعامل مع الموظفين بشكل فردي، كما يقول راي. في العديد من مكاتب العمل، يميل العاملون إلى التجمع معا في مجموعات، واتخاذ قرارات بشكل جماعي. وسوف يعني التشجيع على تغيير هذه الثقافة حينها أحد أمرين، إما دعوة جميع العاملين للمشاركة في القرار، أو تقسيم وتفكيك عقلية المجموعات تلك من خلال التعامل مع العاملين بشكل فردي.
جميع الأمور تسير بانسجام
هذا ما توصل إليه ميشا بينوليل عندما كانت شركته توظف مطورين صينيين للعمل على تطبيقات إلكترونية مثل "فايرتشات" و"أوبين غاردن" (أو الحديقة المفتوحة)، والتي تسمح للمستخدمين بتادل الحديث والدردشة دون الحاجة إلى الاتصال بشبكة الإنترنت.
وقد سافر بينوليل إلى الصين نحو سبع مرات في عام واحد، ويعتقد أن السر في الإدارة الناجحة هناك يكمن في فهم المعتقدت الرئيسية التي يتقاسمها معظم العاملين.
وقال بينوليل: "إنه مجتمع كونفوشي، وبالتالي إذا أردت أن تكون قائدا في الصين، فعليك أن تتعامل مع جميع الأمور بانسجام. كل قرار تتخذه سوف يؤثر على شيء آخر، وعليك دائما أن تكون على وعي بهذا".
على سبيل المثال، قد يكون من الخطأ بالنسبة لمدير جديد أن يعارض موظفا ما بقوة أو يتحدث إليه بصوت عال جدا ليعارض فكرة ما. فذلك السلوك سوف ينظر إليه على أنه يتسم بالهجوم أو المواجهة، أو أن أيام ذلك الموظف ربما باتت معدودة.
ولذا، عليك أن تتعامل مع الأمور بلمسة عقلانية أكثر، وفي المقابل، سوف يجد المدير الأجنبي العاملين الصينيين من أكثر الناس جدية في العمل، كما قال بينوليل. وبالرغم من بعض الصور النمطية التي تقول بعكس ذلك، يتمتع العاملون الصينيون بالإبداع في البيئات التعاونية تماما مثل أقرانهم من الغربيين.
وبعد العيش نحو خمس سنوات في الصين، أصبح كلارسون رئيسا لشركة "نايسلينك هوم فيرنيتشر" للأثاث، وهو يعيش حاليا في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية، لكنه يسافر إلى الصين كل بضعة أشهر.
وقد تعلم كلارسون من الوقت الذي قضاه في الصين أن المديرين الأجانب يمكنهم النجاح هناك ما دامت لديهم رغبة في احترام وفهم التقاليد المحلية. وقد تعلم كلارسون هذا الدرس في الأشهر الأولى القليلة التي قضاها في الصين.
لكن ماذا عن المدير المحلي الذي فصله كلارسون من العمل؟ قرر كلارسون أن يدعه يكمل مدة العقد الموقع معه، وذلك بالرغم من أنه أصبح مفصولا.
كان التعامل مع مثل هذا الموقف وفقا للنهج الأوروبي في الإدارة وإجبار الرجل على الرحيل سيرسل رسالة خاطئة إلى بقية العاملين، مفادها أن الولاء للشركة لا تقدير له.
وأتي ذلك القرار ثماره، فقد تم ما كان في صالح فريق العمل، وبالإضافة إلى ذلك، أصبح كلارسون والرجل الذي فصل من العمل أصدقاء منذ ذلك الحين.
"إنه عمل، وهو معني بالربح بكل وضوح، لكنه معني أيضا باحترام الثقافة المحلية،"كما قال كلارسون. وأضاف: "عندما تدير (عملا) في الصين، فسوف تواجه تحديات، وسوف يتعلق الأمر حينها بإيجاد طرق للتغلب على تلك التحديات تناسب الطريقة التي تسير بها الأمور هناك".
.