البُنّ اليمني بين مطرقة "القات" وسندان الحرب
اشتهرت اليمن منذ القدم بأشهر أنواع البن في العالم، البن اليمني الذي يعرف بجودته العالية وشهرته الواسعة فيما تعد شجرة البن من المحاصيل النقدية التي تدعم الاقتصاد اليمني، حيث كانت تعتمد آلاف الأسر على محصوله لتنمية دخلها.
وتنتشر أشجار البن في أغلب المدن اليمنية، خاصة الباردة منها، سواء المناطق الشمالية أو الجنوبية، حيث جرت العادة على تسميتها بناء على مناطق زراعتها وترعرعها مثل البن اليافعي والمطري، وتختلف ألوانه ورائحته تبعاً لتضاريس ومكان زراعته
لمحه تاريخية
يقول يوسف الظافر - مترجم معتمد ومدير مركز المعلومات: لم تعرف جزيرة العرب القهوة إلا في القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي.
عرفها أهل اليمن، فمكة، ومنها إلى القاهرة وإسطنبول، فالعالم، وفي السابق عرف البن كصفة ملاصقة لليمن بفضل ميناء المخا الذي اكتسب شهرته بالمقابل من البن اليمني الصنعاني خلال القرن الخامس عشر إلى بداية القرن الثامن عشر، حيث كان يصدّر منه البن اليمني إلىتركيا وإلى بلدان أوروبية مختلفة في ظل الحكم العثماني الذي كان يفرض على جميع السفن التجارية التي تدخل من مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر التوقف في ميناء المخا لدفع ضريبة مرور البضائع التي تحملها.
فكان البن أهم سلعة يمنية تصدر إلى العالم الخارجي، إضافة إلى تصدير البخور والصبروالزبيب وأعواد الأراك.
وأضاف الظافر: وقد تراجع إنتاج اليمن للبن مع تعرض مدينة المخا واليمن بشكل عام لحملات عسكرية عدة من قبل الطامعين في اليمن، أهمها حملات البرتغاليين التي انتشرت مطلع القرن السادس عشر الميلادي على سواحل البحرالأحمر، وكانت هذه الحملات سبباً رئيساً في تنافس الدولة العثمانية والحكومة البريطانية على المنطقة، وبدأ ميناء المخا يفقد أهميته تدريجياً في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، مع ازدهار ميناء عدن الذي اهتم به البريطانيون، كما زاد من تراجع مكانة مدينة المَخا ما عانته خلال حربين متقاربتين دمرتا قلاعها وهدمت منازلها وقصورها الفخمة ومصانعها الكبيرة، الأولى الحرب العثمانية الإيطالية عام 1911 ميلادية.
والثانية الحرب العالمية الأولى حين دمرها البريطانيون في قتالهم ضد العثمانيين عام 1915 ميلادية، يضاف إلى تلك الصراعات، فإن تراجع إنتاج البن في اليمن يعزى أيضاً إلى ظهور منتجين جدد للبن في العالم مثل البرازيل والمكسيك.
أبرز معوقات زراعة البن
قال نديم أحمد - رجل أعمال وخبير اقتصادي: يعتبر اليمن الوحيد في العالم الذي تزرع فيه شجرة البن في ظل ظروف مناخية وجغرافية وبيئية لا تتماثلمع تلك التي تزرع فيها أشجار البن زراعة مرفهة في مناطق أخرى من العالم، فبسبب المعدات الزراعية التقليدية التي لا يزال المزارعون في اليمن يستخدمونها واعتمادهم على النظم القديمة التي ورثوها عن أجدادهم في زراعة البن، ينتج اليمن البن بكميات قليلة مقارنة ببعض الدول التي تنتجه بكميات كبيرة، مثل البرازيل وكولومبيا، وإثيوبيا.
وأشار نديم: إضافة إلى شح المياه وتخلف الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاجه، وكذا تفتت ملكية الأراضي الزراعية التي تتشظى بعد اقتسامها بين الورثة جيلاً بعد آخر، العائد الربحي غير السريع للبن، فمحصول البن يتم قطفه مرة واحدة في السنة، ما دفع الكثير من المزارعين إلى اقتلاع شجرة البن وغرس شجرة القات بدلاً عنها، كون محصول القات ينتج مرات عدة في السنة، ويعطي مردوداً سريعاً لمزارعيه بغض النظر عن التأثيرات الاقتصادية والصحية والاجتماعية السلبية لنبتة القات.
وتابع قائلًا: على مر العقود، أمنت زراعة البن سلة غذاء اليمنيين، وكانت إحدى دعائم الاقتصاد، حيث كانت تتعدى حدود تصدير هذه الشجرة حدود البلاد اليمنية، بيد أن هذا الواقع قد تغير، فأصبحت زراعة البن غير قادرة على تأمين سوق الطلب الداخلي، فضلاً عن الدولي، والتخلي الذي تعمدته الدولة السابقة بتخليها عن الاهتمام بهذا المحصول، زراعة، ودراسة، واهتماماً، ومع الحرب تفاقمت الأزمات من نقص حاد في المازوت التي تستخدم في ضخ الماء إلى المزارع، إلى صعوبة في وجود الأيادي العاملة، إلى نقص حاد في توافر المحاصيل والأسمدة وأدوات الزراعة، وزرعت بدلاً من البذور الألغام المميتة للتربة على المد الطويل، ما شكل مصدراً أساسياً في تقهقر هذا المحصول الرئيسي في البلاد.
البن واليمن علاقة أزلية
وتحدثت غزلان أحمد مهدي - خبيرة في البيئة وأكاديمية في كلية الزراعة لحج: تعتمد آلاف الأسر اليمنية على محصول البن لتنمية دخلها، حيث يعمل في هذا المجال ما يقارب المليون شخص بدءاً من زراعته وحتى تصديره، أما من حيث إنتاج البن فقد ارتفعت كمية إنتاجه نهاية العام 2006 بحسب الإحصاءات الرسمية إلى 292,17 طنا، وبالرغم من كل العوائق التي تحيط بإنتاج وتجارة البن اليمني، إلا أنه يمكن اعتباره السلعة الرئيسية التي تصدرها اليمن للعالم بعد النفط، ويتم تصدير البن اليمني حالياً إلى دول الخليج وإلى اليابان والولايات المتحدة وكندا، وروسيا، وفرنسا، وإيطاليا، والدنمارك، وألمانيا، وتركيا، والهند.
زراعة القات عجلة الربح السريع
ويشير الظافر: أنه للأسف، فإن العائد الربحي السريع لشجرة القات دفع الكثير من المزارعين إلى اقتلاع شجرة البن وغرس شجرة القات كون محصول القات ينتج مرات عدة في السنة وكان هذا سبباً رئيسياً لوجود نبتة القات في اليمن كنبتة منافسة للبن.
البن تاريخيا واقتصاديا
وأكد الظافر حول أثر غياب قيمة شجرة البن في مناهجنا، أعتقد أن السبب يكمن في عدم وجود الاهتمام البحثي الذي يكاد يكون منعدماً، فإذا كانت بعض بلدان العالم تنفرد ببعض السلع الزراعية ذات الميزة النسبية، وتعطي اهتمامات خاصة بها، فلماذا اليمن لا تعطي محصول البن الاهتمام الخاص به الذي يمكن عن طريقه الدخول إلى الأسواق العالمية مرة أخرى وتعزيز الدخل القومي بالعملات الصعبة وسيعود مردوده اقتصادياً على دخلالأسر الريفية المنتجة لهذا المحصول وعلى المجتمع بشكل عام.
وهذا ما استوفت شرحاً حوله غزلان أحمد: ومن المؤكد أن توعية الأجيال القادمة بأهمية زراعة البن من خلال المناهج التعليمية التي تلامس خصوصية واحتياجات اليمن هي خطوة في الاتجاه الصحيح، قيمة تاريخية نعم، إذ يعود الفضل إلى اليمنيين قبل أكثر من ثمانية قرون في اكتشاف البن وتقديمه للعالم بمذاقه الخاص، فقد كانوا السباقين في زراعة شجرة البن وإدخال البن كسلعة تجارية ثم نقلها من موانئ اليمن»وأشهرها ميناء المخا« إلى أطراف العالم.
.