خطأ علمي أدى إلى قطع أقدم شجرة في العالم!
أنباء عدن الأحد 14 ديسمبر 2025 04:17 مساءً
في صيف عام 1964، قاد بحث علمي إلى واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل في تاريخ العلوم الطبيعية. دون قصد، فقد العالم شجرة صنوبر بريستلكون استثنائية، بعدما قُطعت خلال دراسة أكاديمية لم يكن القائم بها يدرك القيمة الزمنية الفريدة لما بين يديه. لاحقا، كشفت حلقات النمو أن الشجرة، التي عُرفت باسم بروميثيوس، عاشت قرابة خمسة آلاف عام، لتتحول من مجرد عيّنة بحثية إلى رمز عالمي لخطأ علمي أعاد تشكيل نظرتنا إلى حماية التراث الطبيعي وحدود التدخل البشري في النظم البيئية القديمة.
لم يكن قطع شجرة بروميثيوس نتيجة إهمال أو تخريب متعمّد، بل نتج عن خطأ علمي في التقدير والمنهج. ففي ستينيات القرن الماضي، لم تكن تتوفر وسائل غير تدميرية دقيقة لتحديد عمر أشجار الصنوبر الشوكي قبل قطعها، ما دفع الباحث دونالد ر. كوري إلى الاعتماد على أسلوب بحثي يتطلب أخذ مقطع عرضي كامل من الشجرة لتحليل حلقات النمو. وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن هذه الأشجار، رغم قدمها، ليست نادرة إلى حد يستوجب حماية خاصة.
تختلف الروايات حول السبب المباشر للقطع؛ فبعض المصادر تشير إلى أن مثقاب كوري انكسر داخل الشجرة أثناء أخذ العينة، بينما تقول روايات أخرى إنه رأى أن الحصول على مقطع عرضي كامل ضروري لإجراء تحليل علمي دقيق. في جميع الأحوال، حصل كوري على إذن رسمي من إدارة الغابات، وقام بقطع الشجرة دون أن يعلم أنها تمثل حالة فريدة في تاريخ علم الأشجار.
لم يتبيّن العمر الحقيقي لشجرة بروميثيوس إلا بعد قطعها. فبعد تحليل المقطع الخشبي، أمضى كوري قرابة أسبوع في عدّ حلقات النمو باستخدام عدسة مكبرة. وأظهرت النتائج وجود 4862 حلقة نمو. وبما أن أشجار الصنوبر الشوكي التي تنمو في ظروف قاسية لا تُشكّل حلقة كل عام، قدّر العلماء عمر الشجرة بما بين 4900 و5000 عام، لتتضح الحقيقة متأخرة: لم تكن بروميثيوس مجرد شجرة قديمة، بل أقدم شجرة موثَّقة في عصرها.
تنمو أشجار الصنوبر الشوكي في حوض غريت باسين ببطء شديد، ولا يتجاوز ارتفاعها عادة ستة أمتار، لكنها تمتلك قدرة استثنائية على تحمّل البيئات القاسية، حتى بعد تعرض أجزاء كبيرة منها للموت. هذه الخصائص، وفق موقع IFLScience، هي ما يمنحها عمرها المديد وقدرتها على الصمود آلاف السنين.
ساهمت حادثة بروميثيوس في تغيير نظرة العلماء إلى حماية الأشجار المعمّرة، وأسهمت في سنّ سياسات أكثر صرامة لحماية هذا النوع في الأراضي الفيدرالية الأمريكية. واليوم، ورغم أن ما تبقى من الشجرة لا يتعدى جذعًا صامتًا، فإن قصتها تظل تذكيرا قويا بأن الخطأ العلمي لا يكون دائما في النية، بل أحيانا في التقدير، وأن بعض خسائر الطبيعة لا يمكن تعويضها مهما كانت دوافع العلم نبيلة.


.

فيسبوك
تويتر
تيليجرام
يوتيوب
تغذية RSS