جمرك دمت: جمرك جباية وفيد جديد!
أنباء عدن الأحد 08 يونيو 2025 11:27 صباحاً

فتحي أبو النصر
لا تمر فرحة بلا ضريبة. في اليمن .
فبمجرد أن أُعلن عن فتح طريق "دمت - مريس" الحيوي، بعد قرابة تسع سنوات من الإغلاق، سارع الحوثي إلى نصب فخه الأول:
جمرك جديد في دمت، تحت مسمى "جمارك جنوبي دمت".
طبعا الاسم وحده يستحق جائزة الإبداع السياسي في تسويق الجباية كإنجاز وطني.!
..الطريق الذي هللت له وسائل الإعلام بوصفه "شريان حياة اقتصادي" بين المليشيات الحوثية والمجلس الانتقالي الجنوبي ، تحول إلى شريان سحب دماء من جيوب التجار والمواطنين، عبر ضخ مزيد من الرسوم الجمركية على البضائع القادمة من عدن.
وكأن البضاعة لم تُجمرك مسبقا، وكأن المواطن لم يشبع بعد من الغلاء والفساد والتلاعب.
هكذا، بكل بساطة، نكتشف أن فتح الطرق في يمن اليوم لا يعني تسهيل الحركة، بل تسهيل الاستنزاف. تماما كما أن المصالحة لا تعني السلام، بل إتاحة فرصة جديدة لسرقة موارد جديدة.
ونقل المركز الإعلامي لمحور الضالع عن مصادر مطلعة قولها إن جماعة الحوثي شرعت، خلال اليومين الماضيين، في إنشاء نقطة "جمارك" جنوب مدينة دمت، في خطوة وُصِفت بأنها محاولة جديدة لابتزاز المواطنين والتجار في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأشارت المصادر إلى أن الجماعة أرسلت فريقا فنيا ومعدات من صنعاء إلى دمت، بهدف إنشاء ما يشبه "ميناء بريا" داخليا، لجمركة البضائع والسلع والمركبات القادمة من الجنوب.
المفارقة الأكثر عبثية أن هذه "الجمركة" الجديدة تحصل في الضالع، المحافظة الجنوبية الاولى المحررة من الحوثيين، والواقعة تحت نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي. عدى مديريتي دمت وجبن!
فهل هذا هو شكل "الشراكة في الإيرادات" بين عبد الملك ال..حوثي وعيدروس الزبيدي؟
أم أن الصفقة تتم بصمت تحت الطاولة، ويترك المواطن ليدفع الفاتورة مضاعفة؟
كل ذلك يعيدنا إلى الحلقة المفرغة القديمة الجديدة:
الحوثي والفلوس.
منذ اليوم الأول لانقلابه، كان المشروع واضحا:
تكوين اقتصاد حربي مستقل، لا يعترف بالبنك المركزي في عدن، ولا يعترف بالمواطن إلا كممول إجباري للحرب. رواتب الموظفين توقفت منذ 2016، لكن الضرائب والجمارك لم تتوقف يوما. بل تكاثرت، كما تتكاثر المليشيات في ظل الصمت الدولي وتواطؤ الوسطاء.
وصدق ان الجمرك في دمت ليس سوى حلقة من سلسلة طويلة من "نقاط التحصيل الثوري"، التي تسير عكس كل منطق اقتصادي.
نقاط لا دور لها إلا تحميل البضاعة جمارك مضاعفة، وبالتالي تحميل المستهلك ثمنا مضاعفا، وتعزيز خزينة الحوثي بمليارات من الريالات تُصرف على الزوامل والمسيرات والتصنيع الحربي والمشرفين.
أما الأمم المتحدة ومبعوثوها والوسطاء المحنكون، فهم مشغولون بتوزيع "الثروة اليمنية" كما لو أن الحوثي شريك سلام، وليس ناهبا محترفا.
يتسابقون لإرضاءه بمنحه 80% من دخل الغاز والنفط، تحت شعار "الحل الشامل"، بينما يعرف الجميع أنه لا تفاوض مع الشرعية، ولا سلم مع الدولة، بل هي هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس والانقضاض من جديد.
والشاهد أن ما يحدث في دمت اليوم هو نسخة مصغرة لما يحدث في اليمن كله:
تحويل كل فرصة للسلام إلى فرصة للجباية والفيد، وكل مبادرة إلى مصدر دخل إضافي.
والضحية الوحيدة في هذه الفوضى هو الشعب، الذي يدفع ثمن الطريق مرتين: مرة عند الجمارك، ومرة عند السوق، وثالثة عندما لا يجد راتبا في نهاية الشهر.
في النهاية، الطريق مفتوح... نعم،
لكن ليس للمواطن، بل لقطط الح..وثي السمان، التي لا تعرف من الدولة إلا خزائنها، ومن الوطن إلا موارده، ومن المواطن إلا جيبه.
نعم، الناس حزانى وغاضبون.
لكن الأهم أنهم يعرفون الآن أن الحل لن يأتي عبر بوابة الأمم المتحدة، بل من باب واحد فقط:
اقتلاع جذور المليشيا، لا تجميل وجهها القبيح بجمارك جديدة.!
لكن كما قال تاجر مقهور:
قدهم ياخذو جمارك من زمان سواء من طريق تعز صنعاء او من الحديده صنعاء او من اي مدينه لصنعاء ، لابد من اخذ جمارك باسم الجمهوريه اليمنيه ، والجنوب يأخذ جمارك باسم جنوب اليمن ، وهذا ليس بجديد او شيئ غريب والجميع يعلم هذا الامر!"
ولكن ماذا يعني هذا!
يعني ببساطة أن التاجر المقهور يصف واقعا مشطورا، كل طرف يأخذ "جماركه" كأننا في سوق مقسم بين دكاكين!
أما جمارك "الشرعية المعترف بها دوليا" فهي على ما يبدو معترف بها في الخطابات فقط، بينما على الأرض لها وجود شبح... إن وُجد!
أي أن الوطن يتقطع جمارك، والشرعية تتقطع في صيغة " بلا ولا شيء"!
و لكن السؤال المهم الآن بعد ما كانت أعلنت قبل عامين قوات الجيش الوطني في اللوائين 83 مدفعية واللواء الرابع -احتياط محور إب- بدء العمليات العسكرية لتحرير مديريتي دمت وجبن شمالي الضالع.
لماذا توقفت ؟!
مع ان "دمت وجبن ضالعية إبيه!'
و لماذا الواقع ظل ساكنا، وكأن النداء لم يُسمع.
لماذا توقفت العمليات؟!
أليس لأبناء دمت حق في الحياة الكريمة؟! دمت ضالعية أصيلة، لا يجوز تركها تحت القيد، والتاريخ لا يرحم من خذل الأرض وأهلها.
فإلى متى الانتظار؟! أين العزم؟! أين الوفاء للعهد؟
.