لماذا " الأربعينية " هذه السنة أكثر حرارة؟!

 

 

تعيش محافظة حضرموت بشكلٍ عام، ومدينة المكلا بشكلٍ خاص، أجواءٌ شديدة الحرارة، عالية الرطوبة، تعرف محليًا بتسمية( الأربعينية) أي الأربعون يومًا مرتفعة الحرارة، تبدأ (من 4 مايو وتنتهي 12 يونيو)، ويرى كثيرون بأن نسبة شدّة سخونة الجو ارتفعت هذه السنة. 

 

وتبقى التساؤلات ما سبب حرارة المناخ في هذا التوقيت من العام؟! وهل فعليًا هذه السنة الحرارة أكثر ارتفاعًا؟! وهل تحدث هذه الظاهرة على مستوى حضرموت أو سواحل البحر العربي أمْ الجزيرة العربية، أم أن الأمر على مستوى الكرة الأرضية باختلاف مستوياتها طبعًا؟! 

 

مدير غرفة ارصاد الشحر، عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الأستاذ محمد السلمي يفسر لنا الأسباب العلمية لهذه الظاهرة في هذا التقرير. 

 

تقرير - ناصر بامندود 

 

الأربعينية الصيفية: 

 

يقول السلمي: " تعد الأربعينية الصيفية وتعامد الشمس على مدينة المكلا مؤشرين فلكيين ومناخيين مهمين لفهم التغيرات المناخية في حضرموت، ويفيد تتبع هذه الظواهر في التخطيط البيئي والإنذارات المبكرة لقطاعات الصحة والزراعة والثروة السمكية، تعرف بشدّة حرارتها وتأثيرها الكبير على الأجواء والبيئة البحرية، وتتزامن هذه الفترة مع موجات حر قوية نتيجة لتعامد أشعة الشمس على مناطق ساحل حضرموت، ممّا يؤدي إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة، وشعور خانق بالرطوبة في بعض الأيام، وتغيّرات في صفاء البحر تُعرف محلياً باسم (الشوار) ، نشاط صيفي مكثف يؤثر على الصحة العامة والصيد البحري والزراعة".

 

ويضيف: " الأسباب المناخية العلمية للأربعينية في حضرموت، ويتم تقسيمها إلى قسمين ساحلًا وواديًا، أولًا: التفسير المناخي العلمي للحرارة على ساحل حضرموت، رغم أن ساحل حضرموت- مثل المكلا والشحر- يتميز برطوبة نسبية مرتفعة بسبب قربه من البحر العربي، إلاّ أن السكان يشعرون بحرارة خانقة في أوقات معينة من الصيف، وهذا يعود إلى ما يُعرف بـ:"الحرارة المحسوسة" أو " Heat Index "، وهي: الدرجة التي يشعر بها الإنسان فعليًا نتيجة تداخل حرارة الهواء مع نسبة الرطوبة، وهو السبب العلمي للشعور الزائد بالحرارة مع الرطوبة، وعند ارتفاع الرطوبة، تقل قدرة الجسم على تبريد نفسه بالتعرق، التبخر من سطح الجلد يصبح أقل كفاءة، فيبدأ الجسم باحتجاز الحرارة، والنتيجة: يشعر الإنسان بأن الحرارة أعلى من الرقم الحقيقي المقاس، مثلًا: درجة الحرارة (35)°C مع رطوبة (75%) تعادل شعورًا فعليًا بحرارة قد تصل إلى 45°C أو أكثر، التفسير المناخي العلمي للحرارة على وادي حضرموت: موجات الحر التي تؤثر على حضرموت وادي حضرموت تحدث نتيجة مجموعة من العوامل الجوية والمناخية المتداخلة إليك الأسباب العلمية الرئيسية:1. سيطرة المرتفعات الجوية شبه المدارية (Subtropical Highs) في الصيف، يتمدد المرتفع الجوي شبه المداري ليغطي معظم شبه الجزيرة العربية، ومنها حضرموت، هذا المرتفع يمنع تشكل السحب، ويؤدي إلى استقرار جوي قوي، مما يزيد من الإشعاع الشمسي المباشر وتسخين السطح2- الانخفاض الكبير في الرطوبة النسبية في المناطق الداخلية (الوديان)، تكون الرطوبة منخفضة جدًا، هذا يسمح للحرارة بالإشعاع المباشر من الشمس إلى السطح بدون فقدان جزء منها في تبخير الرطوبة، مما يؤدي إلى تسخين أسرع وأقوى، 3- التضاريس المحلية وتأثير الأحواض الداخلية حضرموت تحتوي على أودية مغلقة تحيط بها الجبال (كمرتفعات الضليعة والمرتفعات الغربية) هذه الأحواض تحد من التهوية وتسمح بتراكم الهواء الساخن، مما يزيد من شدة الحرارة، 4- الرياح الجافة من الشمال والغرب (الرياح الشمالية) الرياح التي تهب من شمال الجزيرة و الصحراء الربع الخالي تكون جافة وساخنة، وتفقد رطوبتها أثناء تحركها، عند وصولها إلى حضرموت، تسبب ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة، خصوصًا في فصل الصيف، 5- ظاهرة الانقلاب الحراري (Thermal Inversion) في بعض الأيام، تتشكل طبقة دافئة فوق السطح تمنع الهواء البارد من الصعود، هذا الانقلاب يعمل كـ(غطاء حراري) يحتجز الحرارة أسفل الطبقة، ممّا يؤدي إلى ارتفاع غير طبيعي للحرارة" .

 

تعامد الشمس: 

 

ويتبع: " تعامد الشمس على مدينة المكلا، فما هو التعامد؟هو وصول أشعة الشمس بشكل عمودي (زاوية، سقوط 90 درجة تقريبًا) على منطقة معينة وقت الظهيرة، مما يؤدي إلى:انعدام الظلال تقريبًا، ارتفاع مباشر في حرارة السطح، تركيز الأشعة الشمسية، التوقيت الفلكي لتعامد الشمس على سواحل حضرموت لنأخذ مدينة المكلا على سبيل المثال، يحدث التعامد الأول: بين 30 أبريل (بداية الأربعينية تقريبًا) التعامد الثاني:13 أغسطس 2025م،تاريخ التعامد الثاني للشمس على مدينة المكلا ويتزامن مع نجم سهيل وباعريق وسعد الخباء". 

 

ويضيف: " أمّا عن العلاقة بين التعامد والأربعينية، فيتزامن التعامد الأول للشمس على مدينة المكلا مع أول أيام الأربعينية، مما يرفع الإحساس بالحرارة بشكل كبير، تقل ظلال الأجسام، وتشتد أشعة الشمس، ويكون تأثيرها أكبر على اليابسة و الأسطح المكشوفة، هذه الظاهرة تساعد في تفسير الارتفاع الكبير في الحرارة بمطلع مايو في محافظة حضرموت.

 

صيف هذه السنة أكثر حرارة: 

 

يفيد السلمي: " نعم، تشير البيانات المناخية الحديثة إلى أن صيف عام 2025 في اليمن، بما في ذلك مناطق مثل حضرموت، يُعد أكثر حرارة مقارنة بصيف العام الماضي'وبالنظر في البيانات المناخية، يمكن القول إن صيف 2025م في اليمن يُعد أكثر حرارة من صيف 2024، مع تسجيل درجات حرارة أعلى من المعدلات المعتادة وزيادة في تواتر وشدة موجات الحر، خاصة في المناطق الصحراوية والساحلية، ومن مؤشرات على زيادة الحرارة في صيف 2025:

 

1. ارتفاع درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية: وفقًا لتقرير مركز التنبؤات المناخية الأمريكي (CPC)، شهدت اليمن خلال الأسبوع الماضي درجات حرارة قصوى تراوحت بين 35 و45 درجة مئوية، مع تسجيل انحرافات موجبة تتراوح بين 1 و4 درجات مئوية فوق المعدلات المعتادة، خاصة في المناطق الغربية والشمالية الشرقية من البلاد، 2- تحذيرات من موجات حر شديدة:

أصدر المركز الوطني للأرصاد الجوية في اليمن تحذيرًا من موجة حر تستهدف المناطق الصحراوية والساحلية، مع توقعات بارتفاع درجات الحرارة القصوى لتتراوح بين 39 و45 درجة مئوية بدءً من تاريخ 24 مايو، 3- تأثيرات التغير المناخي: تشير الدراسات إلى أن اليمن شهدت زيادة في متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.8 درجة مئوية خلال القرن الماضي، ممّا أدى إلى تفاقم حالات الجفاف وزيادة تواتر موجات الحر في المناطق القاحلة مثل حضرموت".

 

ويردف: " والسبب العلمي لارتفاع درجة الحرارة هذه السنة هي " ظاهرة النينو " إذ ذكرت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وبيانات من كوبرنيكوس(Copernicus Climate Change Service) صيف 2025 قد يكون الأشد حرارةً على الإطلاق، والسبب الأبرز هو ظاهرةالنينيورو هو أمر مدعوم علميًا ببيانات الأقمار الصناعية، والنماذج العددية، وظاهرة االنينيو (El Niño) الفعالة وهي ظاهرة طبيعية تحدث عندما ترتفع درجات حرارة سطح المحيط الهادئ الاستوائي، تؤثر على التيارات الجوية العالمية وتسبب تغيّرات مناخية كبيرة، ترفع متوسط درجات الحرارة العالمية، خاصة عند اقترانها بتأثيرات تغير المناخ، فالتغير المناخي المستمر مع ارتفاع تركيزات غازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون)، أصبحت الأرض مهيأة لتسجيل حرارة غير مسبوقة عند أي اضطراب طبيعي مثل النينيو البيانات الحديثة: سجلت ESA وCopernicus حرارة قياسية خلال شهور 2023 و2024، ووفق النماذج الحالية فإن صيف 2025 مرشح لتجاوزها. 

 

هل الأربعينية ظاهرة على مستوى الجزيرة العربية؟! 

 

يروي السلمي:" الأربعينية في حضرموت تسمية محلية شعبية لهذه المرحلة من الحر، لكن الحدث نفسه يشمل الجزيرة العربية كلها تحت تأثير ديناميكية حرارية واحدة تقريبًا، مع اختلاف التسميات والخصائص حسب الموقع الجغرافي (رطوبة، تضاريس، تيارات بحرية)، وهي ظاهرة تحدث في شبة لجزيرة العربية بشكل عام إنما في دول الخليج والسعودية على سبيل المثال، لا تُسمى بالأربعينية، بل تُعرف بتسميات أخرى مثل"مربعانية الصيف" في بعض المناطق، علميًا ترتبط هذه الظاهرة بارتفاع الضغط العلوي شبه المداري، تنشط الكتلة الهوائية الجافة الحارة وتضعف الحركة الرأسية، ممّا يزيد من تراكم الحرارة قرب السطح، وحرارة الصيف لا تقتصر على منطقة واحدة بل تمتد لتشمل أوروبا، الجزيرة العربية، إفريقيا، وأجزاء من آسيا بشكلٍ متفاوت". 

 

الغطاء النباتي وعلاقته بحرارة الجو: 

 

يشرح السلمي: " قلة الغطاء النباتي واتساع الأراضي الصحراوية في حضرموت، الغطاء النباتي يمتص جزءًا من الإشعاع ويقلل من حرارة السطح، في حضرموت نعاني من قلة الأشجار والنباتات ممّا يزيد من امتصاص السطح للحرارة وارتفاع درجات الحرارة".