لماذا يتشبث "الإصلاح" بخالد الوصابي؟ الوزير الذي حول المنح إلى إقطاعيات وجعل الفساد ديانة رسمية
السبت 24 مايو 2025 09:01 صباحاً

الوصابي
تقرير موسع
فتحي أبو النصر
طبعا الوزير خالد الوصابي ليس مجرد مسؤول حكومي. إنه أيقونة العبث، ناطور المنح، وعراب المحسوبية، الذي استطاع بحنكة عجيبة أن يجعل من الفساد غطاء شرعيا لحزب التجمع اليمني للإصلاح، حتى غدا الدفاع عنه نوعا من الدفاع عن الهوية التنظيمية للحزب.
و..يا للعجب!
فالوزير الوصابي وزير التعليم العالي والبحث العلمي حين يوزع المنح كـ"عيديات حزبية" على أبناء المسؤولين، وأبناء أخواته، وأزواج بناته، فلا تفهم أن هذا خرق، أم هو أداءٌ تعبدي داخل طقوس "الإصلاح السياسي" فيما تتحول الدولة إلى مائدة عامرة للولائم العائلية.
نعم: لقد وزع الوزير أربع منح على أبناء أخواته، اثنتان إلى المغرب واثنتان إلى ماليزيا. ثم مد الطاولة ليشمل أزواج بناته بثلاث منح إضافية، واحدة منها إلى المجر – ربما لتربية القطط الأوروبية هناك.
بل ويكمل المأساة بتعيين 23 ملحقا ثقافيا كلهم من أبناء الحزب، وأحدهم عديله، أحمد الخضمي، المعين في ماليزيا.
ولكن...هل هو فساد فقط؟
كلا، إنه "فن إدارة الموارد الأسرية" وفق فلسفة الوصابي، التي تقول: "لسنا في فنلندا أو الدنمارك كي نتحدث عن الشفافية". في لقاء مع الزميل عبد الله دوبله في قناة يمن شباب والذي تجرأ أن يسأله عما يبدر منه من خروقات.
طبعا تلك العبارة تصلح لأن تكون شعار الوزارة.!
والشاهد أنه من هذا المستنقع تنبت حكمة خالد الوصابي لتقول لنا إن الفساد ظاهرة اجتماعية ينبغي التكيف معها، تماما كما نتكيف مع الكهرباء المقطوعة أو الحرب التي لا تنتهي.
طبعا هم لا يدافعون عن الوصابي فقط، بل يدافعون عن منطق الخراب ذاته، عن الحزبية كمقدس أعلى من الوطن.
ولكن ماذا عن الطلاب المتفوقون؟ أين مكانهم؟
بالتأكيد مكانهم في قاعات اليمن المهدمة، أو في زوايا المقاهي يتابعون أخبار أقرانهم من أبناء المسؤولين الذين يدرسون الطب في مصر بمعدل 78٪ كما حصل مع ل ب أحمد ت.
أما الدكتور معاذ عبدالفتاح، فقصته تختصر كل شيء: سبعة أشهر من التعذيب النفسي بعد أن أسقط الوصابي اسمه تعسفا، فقط لأنه طالب بحقوقه علناً. أما محمد عبد الوكيل جازم ومحمد اليوسفي، فتم إسقاط منحهم في مصر لأنهم "يساريون" – في عصر الوصابي، الانتماء الحزبي أهم من التميز العلمي.
وإذا كان هذا الوزير قد أصاب جميع المسؤولين بالصمت، فليس لأنهم مقتنعون به، بل لأنه "أمسكهم من اليد التي توجعهم".
فمنح أبناءهم المنح، وأغلق أفواههم. إنها عبقرية اللصوص، إذ تصبح السرقة أداة للولاء.
لكن لماذا إذن يتمسك الإصلاح به؟
لأن الوصابي ليس عبئا عليهم، بل ذراعا تنفيذية بارعة، يطبق مشروع "التمكين" الحزبي في أكثر وزارات الدولة حساسية. وزارة التعليم العالي – بوابـة المستقبل – تحولت على يديه إلى دكان صغير يبيع الأحلام بمقابل حزبي.
بمعنى أدق يبدو إن الإصلاح لا يرى في الوصابي مجرد وزير، بل مشروعه الشخصي، سمسار منح، ومندوبه السامي، وصانع النكاية السياسية بمن يخالفه.
يريدونه ليشرف على توزيع المنح كما توزع بطاقات العضوية في الحزب. يريدونه ليواصل التمكين ولو من خلال ابتعاث طلاب من جامعة عمران لدراسة اللغة العربية في الهند!
لكن صدقوني القضية ليست فسادا فحسب، بل هندسة فساد شاملة، وفق تصور عقائدي فاسد.
ومع ذلك، حين رفعت أول دعوى قضائية ضده من قبل مدير البعثات السابق سالم صالح الطاهري، قامت القيامة لا لأن الوصابي بريء، بل لأن أحدهم تجرأ وخرج عن طاعة "الإصلاح".
ولأن الحقائق لا تسقط بالتقادم، فقد ظهر الدكتور الطاهري في برنامج "بشفافية" ليقول بلا مواربة إن كل المنح التي تقدمها الدول الصديقة يتم نهبها بوقاحة كل عام.
وقالها بوضوح: "كل الأنظمة واللوائح تُلعب بها بلا حسيب ولا رقيب".
فيا للمفارقة المرة، بينما تمنح دولٌ كبرى كروسيا ومصر والجزائر والصين وتونس والمغرب مئات الفرص الدراسية لليمن، تُنهب هذه المنح بوقاحة مدهشة وتهرب إلى أبناء النافذين وأحفادهم، وكأن البلاد مزرعة خاصة يوزع فيها الفاسدون الغنائم على ذوي القربى والمحاسيب.
فهل هذه الوزارة أم وكر توزيع؟ وهل هذا وزير أم سمسار دولة؟ وهل هذه حكومة شرعية أم نسخة باهتة من سلطات ما قبل الدولة؟
والحق يقال لو كان الوصابي وزيرا في بلد يحترم مواطنيه، لأُقيل خلال أول شهر. أما في يمن اليوم، فأن تكون فاسدا يعني أن تكون محمياً. وأن تسرق المنح يعني أنك تفهم "الواقعية السياسية".
كذلك فإن الوزير خالد الوصابي ليس مجرد فاسد، بل هو تجلٍّ ناصع لفلسفة سياسية كاملة تنتمي لحزب لا يزال يعتقد أن الدولة غنيمة، وأن التعليم مزرعة، وأن المواطنين عبيد في مملكة المنح.
وإذا كان للخذلان وجه، فهو أن يُقصى من حمل الوطن في قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. أبناء الجنوب، الذين كانوا أوائل الدفعات وأوائل التضحيات، يجدون أنفسهم اليوم في ذيل قوائم الابتعاث، وكأن التفوق جريمة، والانتماء لعنة! عيبٌ كبير، يا دكتور خالد، أن تتحول وزارة التعليم إلى أداة لتمييز مناطقي فج.
فيما يبقى السؤال الأكبر الآن:
متى تنتهي هذه المهزلة؟ ومتى يدرك الحكومة قبل الشعب- الذي صار يعرف كل شيء - أن السكوت على الوصابي، هو سكوت عن جريمة بحق جيل كامل؟
.