هديل مانع: سيكولوجيا التمرد بين الموهبة والوجع
أنباء عدن: الجمعة 23 مايو 2025 01:52 مساءً

هديل مانع
فتحي أبو النصر
طبعا في الزمن اليمني المثقل بالمحرمات وبقوالب الجاهزية الأخلاقية والاجتماعية، تطل هديل مانع كمشهد حي للجدل، وكأنها تعكس الصراع الأبدي بين الفرد ووصاية الجماعة.
على أنه لا يمكن ببساطة إدراج هديل ضمن خانة الباحثين عن الشهرة فحسب، فهي ليست ظاهرة صوتية، بل ممثلة موهوبة، تمتلك حسا دراميا فطريا وقدرة بارعة على التشخيص، تجعل من ظهورها حدثا فنيا حقيقيا، حتى وسط عاصفة الرفض.
ومع ذلك، يبدو أن هديل لا تكتفي بأن تكون ممثلة ناجحة فقط، بل تسعى لتكون ظاهرة تتجاوز المهنة، وتتحدى الأعراف.
ترقص، تغني، وتلبس ما تشاء، وكأنها تعلن تمردا ناعما على مجتمع لا يزال مشدودا بقوة إلى خطاب العيب والعار، مجتمع يمني ينكر الجسد والحرية، لكنه لا يكف عن التلصص عليهما.!
,على إن سيكولوجية هديل مانع، إذا ما قرأناها خارج عدسة الإدانة، تبوح بمركب نفسي مزدوج:
فهي امرأة تعرف أن المجتمع سيقسو، ومع ذلك تواجهه بمفاتنها، بإصرارها على الرقص، وربما حتى بتحد طفولي في بعض الأحيان، كما لو أنها تريد أن تقول: “أروني ما أنتم فاعلون؟”
والحق يقال إن استثارة الهجوم الجماعي قد لا تكون مجرد فعل عفوي، بل تعبير خفي عن حاجة نفسية إلى إثبات الذات وسط مجتمع ينكر المختلف.
بمعنى أدق ففي أعماق هذا التمرد المعلن، تتراءى ملامح هشة، ملامح امرأة تحمل جرحا خفيا، قد يكون جرح الإقصاء، أو الشعور الدفين بعدم الاعتراف.
في حين إن رغبة هديل في الغناء، رغم أنها ليست مطربة، لا تخلو من دلالة: هي لا تغني لتُطرب، بل لتُسمِع، لتقول إنها حاضرة، وإنها تملك الصوت والجسد والحق في الوجود دون إذن مسبق من أحد.
لكن ربما أكثر ما يدعو للحزن في سيرة هديل، هو أننا في كل مرة نراها، ندرك أننا فشلنا في احتضان المختلف، في تفهم دوافعه، في تقبل صوته المختلف عن السائد.
طبعا نحن لا نكره هديل لأنها ترقص، بل لأننا نكره المرآة التي ترفعها في وجوهنا.!
لنخلص إلى هديل مانع ليست ظاهرة عابرة، بل مرآة نحتاج إلى تأملها طويلا بعمق لا يقف عند حدود ما ترتديه أو تقوله، بل يمتد إلى ما تقوله عنا نحن، عن خوائنا، عن رعبنا من الحرية، وعن الخوف العميق الذي يسكننا من امرأة تعرف ماذا تريد.!!!
.