كهرباء عدن... الثقب الأسود وفرسان الهيكل
أنباء عدن: الأربعاء 23 أبريل 2025 06:42 مساءً

أ.د مهدي دبان
تعاني عدن الأمرين فيما يتعلق بالكهرباء منذ سنوات طوال... ملفّ بات كابوسا يوميا، وعنوانا للفشل المزمن، وعارا على جبين كل من تولى مسؤولية دون أن يترك أثرا يذكر سوى مزيد من العتمة والخذلان. الحكومات تعاقبت، والإدارات تبدلت، لكن المعاناة ثابتة لا تتغير، كأنها قدر محتوم على هذه المدينة الصابرة.
صُرفت المليارات دون جدوى... مشاريع ورقية، خطط لا تغادر أدراج المكاتب، ووعود لا يصدقها حتى مطلقوها. صار حل الملف أعقد من فرضية ريمان في الرياضيات! نفس التبريرات تتكرر، نفس الأعذار تتجدد، كأن من يقرر المصير يهوى العبث بمشاعر الناس. حتى أن أحدهم أقسم – وكأن القسم يكفي – لكنه لم يفِ، وصار قسمه مضربا للمثل، أشهر من قسم فرسان الهيكل الذين ما لبثوا أن داسوا على عهودهم وعادوا لعبادة الأصنام وجمع الأموال من الحرام.
إنه الفساد... ذاك الوحش الجشع الذي ابتلع كل المحاولات، التهم كل الأموال، وترك خلفه ثقبا أسود يسحب فيه الأمل كما تسحب الأرواح من أجساد المنهكين. يقف الجميع أمامه عاجزين، مكتوفي الأيدي، بينما البسطاء يحترقون في جحيم الصيف، أطفال تسلخ الشمس جلودهم الرقيقة، وكبار يتحولون إلى أشباح تترنح من شدة التعب والإرهاق.
تصريح رئيس الوزراء الأخير كأنه رش ملحا على الجرح... مليار دولار في عقود الطاقة المشتراة! مبلغ يبني محطات بل مدنًا بأكملها، لكنه ألغى العقود... وانتهى الأمر. لا محطات، لا طاقة، لا كهرباء، ولا إجابة واحدة على سؤال بسيط: أين ذهبت الأموال؟
عدن لا تسأل إلا عن حقها في حياة طبيعية... عن نور لا يخونها في عز الظهيرة أو هدوء الليل... عن عدالة لا ترتجف أمام سلطان الفساد. لا أحد يعرف ما الذي يحدث، أو ربما الجميع يعرف لكنهم يفضلون الصمت. وحدهم الناس في عدن يذوبون في لهيب صيف بدأ مبكرا، ووعدونا بأنه سيكون باردا... لكننا صدقناهم، رغم أنهم لم يصدقوا أنفسهم، كما لم يصدق إبليس الكذوب يوما الذي أقسم أن يكذب وهو يعرف بذلك...
عدن تحترق، لا مجازا بل حقيقة... والعالم من حولها يتجاهل صراخها، كأنها صدى لا يُسمع... لكن هذا الصدى سيتحول يوما ما إلى صرخة لا يمكن إخمادها، لأن النور لا يهزم، حتى إن طال ظلام الثقب الأسود.
.