"المِعوَز".. لباس قديم يوشح اليمنيين في العيد ويقاوم الأزياء العصرية
انباء عدن الاثنين 08 أبريل 2024 02:25 مساءً
عبداللاه سُميح – إرم نيوز:
رغم تفضيل الشاب اليمني أكرم الصالحي، ارتداء "البنطلونات" في حياته بشكل عام، إلا أنه لم يتردد في دفع 65 ألف ريال، أي ما يعادل 40 دولارًا، ثمنًا للحصول على إزار قماشي يدعى محليًا بـ"المعوز/ المقطب"، لارتدائه في أول أيام عيد الفطر المقبل فقط، قبل أن يتحول إلى زيّ يرتديه بشكل نادر خلال المناسبات الاجتماعية.
ويتمسك اليمنيون بزيّهم التقليدي القديم المكوّن من قطعة قماشية مستطيلة، منقوشة ومزخرفة بالألوان، لتغطية الجزء السفلي من الجسد، إذ تشهد أسواق الملابس مع اقتراب الأعياد الدينية، ازدهارًا ونشاطًا متصاعدًا، على الرغم من تدهور الأوضاع المعيشية جراء الحرب.
ويقول الشاب الصالحي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إنه اقتنى "المعوز" رغم معادلة قيمته لـ"سروالين" آخرين اشتراهما؛ بهدف مجاراة الزيّ التقليدي الشعبي في البلاد خلال أول أيام العيد، حتى لا يكون مظهره غير مناسب مع أقرانه أثناء حضوره صلاة العيد التي تجمعه بأهالي منطقته في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، جنوبي البلاد.
ويرتبط "المعوز" بالهوية الثقافية والحضارية لليمن منذ فترة ما قبل الميلاد، حين كان رداءً لملوك الممالك اليمنية القديمة، ليبقى متوارثًا ينسج علاقاته مع مختلف الأجيال المتعاقبة وصولًا إلى اليوم، متحديًا الأزياء العصرية المستوردة.
عمق تاريخي
يرى رئيس مؤسسة "معد كرب" الثقافية في اليمن، يحيى الجماعي، أن الأزياء الشعبية باختلافها وطريقة حياكتها من أهم عوامل تمييز الشخصية اليمنية عن غيرها من الشخصيات، باعتبارها "شواهد تعكس الكثير من جوانب حياة الإنسان القديم وأسلوب ونمط عيشه".
وقال الجماعي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن "المعوز" لباس تاريخي مرتبط بالعمق الحضاري والتاريخي لليمن، "ابتكره اليمني القديم، وفقًا للبيئة الجغرافية المتميزة بالسلاسل الجبلية التي كان يسكنها؛ إذ يساعد تصميمه على صعود الجبال وملاحقة الفرائس، والتحرك بسهولة خلال عمله في الزراعة التي شكّلت أساس حضارته القديمة وممالكه العريقة، إلى جانب وظيفته الرئيسة في تغطية عورته".
وأشار الجماعي إلى وجود رسومات صخرية يمنية قديمة، تعود إلى ما قبل 5 آلاف عام، يظهر فيها محاربون قدامى يرتدون المعوز ويحملون الرماح؛ ما يؤكد أنه لباس عسكري أيضًا، كان يُصنع من الجلود والصوف".
وأضاف الجماعي أن استمرار حضور "المعوز" كلباس شعبي خاص حتى اليوم، يوحي بأصالته الضاربة في القدم وعمقه التاريخي، بشكل "يعزز بقاء اليمني محتفظًا بعوامل شخصيته وذاتها من الاندثار، وسط حركات التشويه والوأد الممنهج"، وفق تعبيره.
وتساهم صناعة "المعاوز" المنتجة محليًا في امتصاص البطالة المتصاعدة في اليمن، عبر توفير آلاف الفرص للعاملين في مهنة حياكتها يدويًا في مشاغل مختصة، أو حتى إنتاجها منزليًا، رغم التحديات التي باتت تواجهها خلال السنوات الأخيرة.
تهديد الاستيراد
وفي ظل الانهيار المتواصل للعملة المحلية وارتفاع الأسعار، يلجأ كثير من اليمنيين إلى الاستعانة بما يتم استيراده من "معاوز" من خارج البلد؛ نظرًا لانخفاض ثمنها مقارنة بأسعار ما يتم إنتاجه محليًا بشكل يدوي، التي قد يتخطى ثمن الراقي منها 200 دولار.
وقال مدير مشاغل "الأمير" لحياكة "المعاوز" في اليمن، منير عوض، لـ"إرم نيوز"، إن استمرار الاستيراد من الصين وغيرها من أكبر التحديات التي تواجه هذا الزيّ الشعبي المنتج في الداخل، بشكل يؤثر على مئات الآلاف من الأسر المعتمدة على مهنة حياكة "المعاوز".
وأكد أن المنتجات المستوردة من الخارج، بجودتها وتكاليفها المنخفضة وعمرها الاستهلاكي القصير، جعلها رخيصة الثمن، على العكس تمامًا من "المعوز" المحلي؛ ما يؤدي إلى الإضرار بسمعة المشغولات اليدوية، خاصة عند من لا يفرّق بينهما عند الشراء.
وأشار عوض إلى أن منتجات المشغل تستهدف جميع الفئات المجتمعية بحسب قدراتها الشرائية، ومن خلال عدة مستويات للإنتاج من ناحية الثمن المعتمد كليًا على جودة الخيوط والحياكة والنقوش، وبما يتلاءم مع مختلف الأذواق.
وتتعدد أنواع "المعاوز" باختلاف بيئات اليمن المتنوعة، نسبة إلى المناطق الجغرافية، كالبيضاني والشبواني واللحجي والتهامي والحضرمي والفرَجي والسلاطيني؛ إذ يتميّز كل منها بتصميم وتطريز معيّن ومختلف.
.