«القبيطة».. تراث من حلوى
أنباء عدن: الجمعة 02 فبراير 2024 10:41 مساءً
لحج – رَيا المزاحمي
يبدو المشهد من بعيد مثيرًا للغاية، متسوقون كثر من مختلف الفئات والأعمار، يقفون أمام محلات القباطي في العند، الوصول إلى بوابة المحل يتطلب وقتًا طويلًا، أما الدخول إلى المحل فصبرٌ جميل.
طفلة صغيرة تبالغ في الصياح “خارجني ياعم لي ساعة واقفة”، وأخرى من الفئات المهمشة تمسك بقميصٍ رجل سبيعني “اشتر لي حلوى يا عمو الله يسترك”.
لا وقت للتحدثِ مع بائعي الحلويات القباطية ظهرًا، فالمحلات لا تخلو من الزبائن والطلبات، نساء ورجال يتخطون عتبة المحلات على عجل، يطلبون أنواعًا مختلفة من الحلوى.
وعلى واقع الزحام وارتفاع الأصوات والضوضاء من حوله، ينهمك العامل الخمسيني “أنور أنعم” في إعداد عجينة الحلوى بصمتٍ، على نار هادئة.
في يمين الخط العام لمدينة “العند” 29 كيلومتر من عاصمة محافظة لحج، الحوطة (جنوب اليمن)، يرتص أكثر من 30 محلًا للحلوى القباطية، ومع اختلاف أسماء المحلات إلا إنها جميعها تحمل اسم صاحبها “علي سعيد القباطي”.
حلويات القباطي.. فكرة هندية
بدأت صناعة الحلوى القباطية في أربعينيات القرن الماضي، بمحافظة لحج، بعدما قام أحد أقارب شخص يدعى “الأصور” بزيارة إلى دولة “الهند”، اكتفى الرجل بأخذ خبرة بسيطة عن صناعة الحلويات، ثم قام بنقلها إلى محافظة لحج.
شرع “الأصور” بصناعة حلوى تسمى “المضروب” -الحلوى الرطب- ويعد هذا النوع من الحلوى أشهر أنواع الحلويات اللحجية في المنطقة إلى وقتنا الحالي.
الحلوى القباطية “خبرة ومورورث”
في منطقته الراهدة شمال اليمن، بدأ الحاج “علي سعيد القباطي” بتطوير صناعة الحلوى يومًا بعد آخر، ثم أضافوا إليها الكثير من الخبرات والنكهات حتى أضحت حلويات “القباطي” أشهر أنواع الحلوى على مستوى اليمن ودول الخليج.
يمد عجينة الحلوى على طاولةٍ خشبية؛ ليقوم بتشكيلها، ثم يتحدث العم “أنعم” قائلًا: إنه يعمل في صناعة الحلويات منذُ عام 1995، وهي مهنته الأساسية ومصدر دخله الوحيد.
مهنة تقليدية بالوراثة
فهيم القباطي 30 عامًا، أحد صانعي الحلويات في مدينة “إب” (وسط اليمن)، يقول: أجيد هذه المهنة منذُ 15 عامًا، وهي مهنة تعلمتها من الأهل والأقارب، وهي نفس الحلويات التي كان يصنعها والدي، ومستقبلا سأعلمها لأولادي وأقربائي الصغار.
إقرأ أيضاً بلاغ باقتراب 6 زوارق من سفينة تجارية في البحر الأحمر
لا يمكن لأي مكان داخل اليمن أن يخلو من محلات حلويات القباطي الشهيرة، حيث أصبح تقديم الحلويات مع الوجبة اليمنية أمر في غاية الأهمية لدى الكثير.
ويتواجد الآلاف من محلات حلويات القباطي داخل اليمن،” ففي كل سوق أو “مقوات” (مكان بيع القات) محلين أو ثلاثة للحلوى”، يضيف فهيم.
لم يكن “اليمن” موطن حلويات القباطي الوحيد، فالحلويات الشهيرة أخذت مكانتها في السعودية والأردن ومصر وعُمان، ولا يمكن لأي زائر أو مسافر إلى داخل وخارج البلد إلا وينقل الحلوى معه إلى خلف البحار والقارات كهدية يمنية ثمينة، على حسب تعبيره.
تستوقفك الرائحة الزكية وأنت تمر أمام محلات الحلوى، “لا نستطيع تجاهل الرائحة، نحن مجبرون على شراء الحلوى”، يقول أحد المارة.
سر الحلوى القباطية
يُعرف عن حلويات القباطي بأنها أشهر وألذ الحلويات داخل اليمن، ولا يوجد لها منافس من أصناف الحلويات الأخرى في السوق.
لكن ليس كل صانع حلويات يجيد المهنة، فصناعة الحلويات القباطية لها سرها الخاص، بحسب “فهيم القباطي”، ويضيف وهو يشير إلى أطباق متنوعة من الحلوى “انظروا إنها حلويات لها سرها الخاص، ونحن القبيطة لنا سر مهنتنا”؛ لذلك فهناك الكثير من صانعي الحلوى الآخرين يصفون حلوياتهم بأنها قباطية؛ بغرض تسويقها.
ويواصل: حلويات القباطي لها طعمها ونكهتها الخاصة التي لا توجد عند الآخرين، وصانعوها لا يكشفون سر مهنتهم لأحد مهما كان الأمر.
خلفية تاريخية
للقبيطة جمالها الخاص بمناظرها الزراعية الخلابة، وتُعرف بناسها الطيبين والمسالمين، وهي مديرية تبلغ مساحتها 1024 كم ² وترتفع 981 متر عن سطح البحر، كانت تابعة لمحافظة تعز إلى قبل عام 1998، وبعدها أصبحت إحدى مديريات محافظة لحج.
ويحترف شباب “القبيطة” كثير من المهن، إلا أن صناعة الحلويات هي الأكثر انتشارًا بينهم.
تفاخرًا بحرفتهم -صناعة الحلويات- يمسك”فهيم” قطعًا من الحلوى”، ويصبح: “هي حرفتنا الأساسية وأمان الدخل لأسرنا، نحن القبيطة مستحيل أن نتخلى عن صناعة الحلويات هذه. إنها القبيطة تتوارث الحلوى، إنها ميراثنا”.
.