لماذا لم يهتم الأدباء العرب بالبحر كثيرًا؟

 

 

كتب الروائي الجميل الأستاذ: صالح باعامر

موضوعًا يتحدث فيه عن غفلة الأدباء العرب من تناول البحر في أدبهم أكان نثرًا أو شعرًا، رغم أنهم يطلون على ثلاثة بحور:

بحر العرب، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط! 

وتحدث في موضوعه عن أشياء كتبها عن البحر، وأضاف قائلًا بأن حنا مينه هو الروائي العربي الوحيد الذي أهتم بالبحر في أدبه. 

 

الموضوع راقني كثيرًا، ودفعني للتفكير في هذه الملاحظة الهامة، ممّا حمسني إلى تحليل هذه الملاحظة والحديث عنها، فتفاعلت مع الموضوع قائلًا: 

 

ربما لأن حنا مينه ابن مدينة اللاذقية الساحلية، عكس معظم الروائيين العرب الذينَ لا ينتمون لمدن ساحلية كإحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، والطيب صالح، وزيد مطيع دماج، والأمثلة تطول.

ولكن كان بعضهم ابن لمدينة ساحلية مثل علي أحمد باكثير وتوفيق الحكيم ، فتتعجب كيف لم يلامس البحر أدبهم! 

فثمّة مقولة جميلة تقول: 

 

" أي مدينة تقع على البحر تكون جميلةً ". 

 

فالبحر ما دخل على شيءٍ إلا وجمله! 

والبحر يضفي شكلًا جماليًا على الأشياء، وانعكاس لون السماء على مياه البحر تبعث بشعور الراحة للنفس، وتعطي منظرًا مبهجًا للمكان. 

 

وإرنست همينغوي رغم كل روايته الرائعة، لكن كثيرون من يتعبرون رواية " الشيخ والبحر " هي رائعته، وما تبدو مدينة البندقية الإيطالية  - والتي اسماها العرب بهذا الاسم - فاتنةً وساحرةً للغاية إلا لأن البحر يروي أحياها. 

 

وفي الشعر العربي القديم لم ينل البحر حقه أعتقد لأن غالبية الشعراء قديمًا هم من أبناء المناطق الصحراوية كامرؤ القيس والنابغة وعنترة وعمرو بن كلثوم، وفي عصر الدولة الأموية كان الثلاثي جرير والفرزدق والأخطل من مدن غير ساحلية، وفي عصر الدولة العباسية كان المتنبي وأبو فراس الحمداني وأبو تمام ومعظم شعراء ذلك العصر من غير المناطق البحرية، وربما لذلك كانت لغتهم العربية قوية وسلمية، فسكان مدن البحر يأخذون الكثير من الكلمات ممّن قادموا لهم أو سافروا هم إليهم عبر سواحلهم. 

 

أما في العصر الحديث فأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبد الله البردوني ونزار قباني كانوا من طبيعة بعيدة عن البحر، وحافظ إبراهيم مثلًا قرأت أنه ولد في النيل وكتب عنه، لذلك لقب بشاعر النيل. 

 

ربما درويش وأحمد مطر من القلة الذينَ نشؤوا بالقرب من مناطق بحرية، فالإنسان دائمًا كما يقول ابن خلدون عنه بأنه ابن بيئته. 

 

ناصر بامندود