السبت 07 يوليو 2018 08:17 مساءً
أختك الى الأبد رملة
((اخي سالم، اعرف انك الآن غارق في طرق ابواب المستشفيات والعيادات التي قضيت ليلتك تسأل عنها وتحصيها تحت جنح ليل القاهرة التي لاتنام. هذه المدينة التي لم تتجاوز حدود معرفتي بها شاشة التلفزيون.
اخي الحبيب، لم اكن اريد أن اشوش عليك رحلة بحثك اليومية هذه عن تطبيب لآلامك انت وزوجتك نجلا وابنك زرياب الذي اثق بقدرته على أن يرعاكم خير رعاية، بعد أن استعصى علاجك في وطنك وبين جدران منزلك وقريبا من اسرتك ومحبيك.
ولكن لابد مما ليس منه بد، خصوصا وأننا اصبحنا في مدينة الحديدة مدينة عشقك المبكر ومسرى احلامك التي لا تغيض، لا نعرف النوم أو الامان بسبب اشتداد وطأة الحرب والاقتتال وتفشي تنامي مشاعر اللا مبالاة والحقد والكراهية والتفريط بكل شيء عزيز وحميم.
حتى اننا لم نعد بفعل ذلك قادرين على الخروج ومبارحة عتبات منازلنا بحثا عما يسد رمقنا من الجوع.. نودع اولادنا كل يوم ولأكثر من مرة وداع الذاهبين إلى المجهول.
الشوارع صاخبة بالمسلحين والرصاص والخنادق ،والمتارس والقذائف العشوائية، لا تدري من مع من؟، ومن ضد من؟، وكل ما نستطيع ادراكه والاحساس به هو اننا اصبحنا هدفاً مباحاً سهلاً لمن يريد أن يمارس حضوره ويعلن عن وجوده عن طريق ترويع، واخافة، واذلال وقهر وامتهان وازهاق ارواح الآخرين.
نعم اخي، لقد غادر معظم أن لم يكن كل من هم قريبون أو بعيدون عنا من جيران واهل ومعارف.. غادروا لاندري إلى اين، اسمع انهم قد نزحوا تاركين دورهم وذكرياتهم وأيامهم حلوها ومرها خلفهم.. رحلوا كلٌّ في اتجاه وبدون أية ضمانات لهم بالسلامة أو العودة، في وطن بحاجة إلى النزوح.
اخي، لقد طلب منا الكثيرون أن نترك منزلنا المتواضع بغرفه وجدرانه وان نلتحق بالآخرين، لكنني فضلت أن أظل باقية في مكاني، لا لأني قد اصبحت يائسة غير مبالية بالحياة وإنما لانني- وهذه حقيقة لا اعتقد أنك تجهلها- لا أقدر أن اتنازل عن مكان ولدت وترعرعت وتزوجت وأنجبت وترملت فيه، بهذه البساطة والسهولة، ولسبب تافه كهذه الاسباب الرخيصة التي اضحت تنشب اظفارها وتكشر عن انيابها في وجه الجميع اطفالا وشبابا نساءً ورجالا، مكانا وزمانا.
هذه الاسباب وغيرها الكثير، التي وإن كانت ترفع شعار الموت والحرق والدمار والسبي والامتهان، الا انها مازالت في نظري اقل وأوهن من أن تكون سببا كافيا لان ارحل إلى مكان غير المكان وجوار غير الجوار.
أخي سالم، لا اريدك أن تكون عاطفيا اكثر مما انت فتذرف الدموع، ولكن اريدك أن تكون ذلك الاخ الذي يقدر الأمور حق قدرها.
لذا أرجوك أن تسامح صراحتي لك بأن تسامحني وتبقى وفيا بحبك لي ولجميع اخوتك عثمان ورقيبة وعادل كما نحن نحاول أن نكون حيالك.
قد لا نلتقي وقد لا نرى بعضنا، لكننا سنظل أخوين ونتوق إلى بعضنا ونترقب يوم لقائنا ولو في عالم غير عالمنا هذا الذي اخذ منا اكثر مما أعطانا، وأبكانا اكثر مما اضحكنا، وأفقرنا اكثر مما اغنانا..عالم اعتدنا أن نعيش ونتعايش فيه بروابط الدم نغني ونغني اذا اشتد علينا الحزن، نرقص ونتهلل اذا ما تكالب علينا الهم، نستمد سعدنا وافراحنا مما حولنا من ارض عشقناها، وسماء سكناها.
اخي، من الممكن أن يلعب القدر لعبته معنا فلا يرى بعضنا بعضاً، ولكن كي ننتصر وينتصر حبنا للحياة يجب أن نستمر في ايجاد ما يرتقي بنا إلى مصافات المكوث، والظهور، والبقاء، والاستمرار.فهناك تراب وجدران وبشر ومساحات واشجار كلها تنادي بأن نترك وراءنا ما يبقي علينا ويدل على وجودنا.
اتمنى لك شفاءً عاجلاً وعوداً حميداً. وتقبل قبلاتي وقبلات رمال وأشجار وبحار مدينتك الجميلة أبدا مدينة الحديدة التي لن تقهر وستنتصر بإذن الله آجلا أم عاجلا.
اختك إلى الابد رملة.))