الجمعة 20 أبريل 2018 11:05 مساءً
يموت واقفا
بطلنا الذي نحن بصدده قد تحول منذ وقت مبكر إلى عجيبة من عجائب هذا الزمن المليء بالعجائب الغريبة والمريبة، بل لقد بات مثالاً لكل العجائب ومقدماً عليها.
ـ بطلنا هذا لا يتفرد بسعة مواطن البحث فيه، وتعدد أوجه تجليه، وغزارة مواطن حضوره، وفعله.. جبهات نزاله لا تحصى، وعلامات مواقعه لا تمحى .. ضمير من لا ضمير له، وخصيم من يختاره ضميراً غيره.
ـ متشعبة جذوره مكينة، لا تزحزحه ولا تهزه العاديات، لا يتحلحل ولا يتبدل مهما عصفت به ونالت منه واستصغر مكانتَه أقرانُه في مختلف القارات.
ـ يواصل الخروج مكللاً بالخواء، لا يستحي أو يخجل بل يتطاول ويتبختر فرحاً بهمه وغمه، وسعيداً بالقروح والدمامل التي تعتري جسمه.
ـ يبطن عكس ما يظهر، لا أحد يوازي قدراته في المكابرة والتظاهر، يفاخر بعجزه ودونيته مستمداً مجده مما يخلقه سيره من سقوط وانحطاط، يباهي بأنه مازال ولم يزل في محط انتظار دائم ومتواصل طوال الأيام والشهور والأعوام.
ـ مستدلاً على ما له من مكانة بذكر وترديد اسمه بأفواه الجيوش الجرارة التي تظل منشغلة به، مترصدة أي خبر أو إشارة تستكنه وتحدد موعد قدومه وانه برغم ما فيه من تعاسة يظل موضوعاً خصباً لإنبات ألف ألف اشاعة.
ـ يتحدى بصلافة ووقاحة طوابير المساعدات الانسانية والاغاثية ان ترفضه أو تجافيه، وأن تخل بتوازن اصراره واحتفاظه باسمه وكشوفاته ومستخلصاته وتحويلاته وتعاملاته، والطوابير من أجل ملاقاته، والتخاصم بشأنه واخباره على ما فيه من ضعف وهزالة.
ـ يتباهى بتعدد غرف انعاشه من بنوك ووزارات وأماكن صرافة، ممن تعرف كيف تستثمر قصوره وانحطاطه بمضاعفة مصادرهم منه مقابل تمجيد شحة مردود نفعه وبقائه.
ـ يتبختر مرفوع الهامة بفضل ذوي الدخولات غير المحدودة الذين لا يتعاطون معه وبه، إلاَّ بقياس وتقييم مكانته بغيره من اترابه.
ـ سهل الانقياد، مطواع بيد من يجيد نهبه واغتصابه والاحتكام عليه، المتمرس في اعمال خزنه واكتسابه، رفيق وفير مع ذوي الجاه والشطارة .. يزدهر بيد من لا يقيم وزناً له.. ويتنمر بيد من يريده ويحتاجه، يضاعف فيهم الحاجة والفاقة، يتحول إلى أدوات حادة قاتلة وسياط لاهبة تدمي عيون وقلوب من ينتظرونه ويرجون صلاحه.
ـ انه بطلنا، عملتنا، راتبنا الذي لم يعد يساوي قيمة الكتابة عليه، يُهرس بين الاصابع، سريعاً ما يفقد لونه واستقامته، فاقداً وزنه وقيمته، يطير كمحارم الـ(كلينكس)، يتوارى بمجرد اطلالته، ينهار ويفقد نظارته عند بائع خضار أو بقال .. مسجلاً معجزة لا نظير لها في تاريخ الموت وقوفاً أو بمعنى اصح مواصلة الوقوف موتاً.