احترامي للحرامي وللأبراشي في لعبة ورق… ماليزيا تجيز الردة وتمنع التشيع في مدرسة الحب
عزيزي الحرامي، لا تقلق، أنت بأمان في سوق المعلوماتية، التي تعرض بضاعتك المسروقة على «الفاترينات الألكترونية» ما دمت لصا فلكيا وغنيمة رقمية لا زعيما عربيا لن تثير شهية القراصنة إلا بمقدار ما تفرقعه نكتة «مخمجة» في برنامج «مسخرجي»، ما دامت العلاقة بين السلطة والفساد لا تحتاج إلى بديهة صحافية أو جهد استقصائي لاكتشاف الأورام المالية في الأرصدة المتكرشة!
في مواسم التنزيلات المعلوماتية، تصبح معلومة باهتة عن شخصية حرامي عربي مجانية مقابل معلومة مدوية لشخصية عالمية يتهددها غضب شعبي واستنفار قانوني عارم، يعكس مدى تمسك الشعوب بكرامة حقوقها، وكبرياء عرقها وأرزاقها، بينما لا تجد في إعلامنا العربي من يعز عليه ماء جبينه الذي يتصبب في حلق سادته قبل أن يبلع ريقه الجاف فيَبُلّ ملحه! يا لأمة العبيد هذه، التي تتنازل عن شقائها كما تتنازل عن رخائها، والدليل: وائل الأبراشي!
الإعتذار للحرامي
لم يحدث في تاريخ هذه البشرية منذ عصور الكائنات المهجنة، التي كانت تعاشر الضفادع والديناصورات، وحتى عصر سكان المريخ أن اعتذر المسروق للسارق، ولكنه حدث في مصر في برنامج «العاشرة مساء» مع وائل الأبراشي، الذي استضاف الفرقة الشعبية للفرعون الطيار: «آسفين يا ريس»، التي تتخذ من الأنشودة المسرحية «هشتكنا وبشتكنا» نشيدا وطنيا لها!
المشاهد لم يرحم وائل الأبراشي، حين قلل من قيمة ضيوفه، حيث وردت اتصالات ورسائل تعترض على هذا الإهدار للوقت والجهد الذهني في نكسة حوارية أشبه ما تكون بمظاهرة ردح، و«بكبكة» وتشويه حقائق، في سبيل تلميع المباركية، فهل نضع اللوم على الأبراشي أم نشكره لأنه فضح جريمة إنكار الجريمة لقصور دماغي يعجز عن تمييز الأحكام الأخلاقية والتفكير العقلاني؟!
الضيوف لم يخرجوا عن موضوع الوثائق المليونية المسربة من مكتب الاستشارات القانونية «موساك فونسيكا»، بل كانوا في صلبه، وهم يبرهنون أن الحرامية ليسوا شطارا ولا هم من أصحاب المواهب الخارقة ولا يتمتعون بخفة يد أو كرش، ما دام العدل في القانون يحمي اللصوص من المغفلين!
في حين ورد اسم أكثر من ستمئة شخصية اسرائيلية شاركت في حملة الغسيل النقدية هذه، إلا أن الإعلام العربي لم يتطرق لأي منها، وانشغل بالتمويه على لصوصه بالإمساك بخناق بوتن، فهل سيعز عليك ميدان التحرير، وأنت ترى المباركيين ينهبونه من ثواره بصفقة شائعات تروج لطمع المصريين بنهب ممتلكات الحرامي؟ هل يهين هؤلاء أنفسهم أم يحرمون اللصوص من متعة الاحتفال بالتكويش على الحمقى؟
ألا يا أيها اللصوص، باسم الشعب والأمة نحن نعتذر على الإزعاج والحلب الإرادي للنعاج، اذهبوا فأنتم الطلقاء… بالثلاثة!
«افتح يا سمسم» باب الأسرار
منذ أكثر من أربعين عاما والغسيل في الغسالة، فلماذا يتم نشره الآن بالذات؟ سؤال طرحه مذيع «بانوراما» (روسيا اليوم) على ضيفه مكرم خوري، الذي سارع لاتهام أمريكا بالابتزاز من خلال الحصول على معلومات سرية وبرمجتها لتحويلها إلى حدث إعلامي مضخم، مراهنا على الهدف الذي لا يقترب من النزاهة ولو قيد أنملة، بقدر ما هو انتقام من انتصارات روسيا في سوريا والضغط على الخصوم من الحيتان أو السمك الصغير لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، مستنكرا ملاحقة بريطانيا للصحافيين، الذي حاولوا الاستقصاء عن أكبر صفقة أسلحة في التاريخ بين بريطانيا والسعودية «صفقة اليمامة»، بينما يحدث العكس في «لعبة الورق»، التي اشتغل عليها أكثر من 370 صحافيا من أكثر من مئة مؤسسة صحافية من سبعين دولة حول العالم!!
الشركة أصدرت بيانا تؤكد فيه أنها لم تقم بعمل غير قانوني، وهددت بالتحقيق في سرقة المعلومات ونشرها، ووعدت بأن يمثل القراصنة أمام العدالة.. فمن أكثر جرما: سرقة المعلومات، أم سرقة العرق؟! ولا أعتذر عن أي مكر في الدلالة أو الصياغة!
الأمر لا يتعلق بالتنافس غير الشريف بين هذه الشركات، كما أوحت البيانات الأولية التي صدرت عن «موساك فونسيكا»، بل هو كما قالت ضيفة «روسيا اليوم» فيرونيكا كراشينينيكوفا، مستشارة وكالة روسيا سيفودنيا، ضغط سياسي يعكس «الفوبيا» المتفاقمة من قوة وجبروت بوتن، لأن السحر الذي مارسته أمريكا بإخفاء أسماء متورطين أمريكيين ومؤسسات استخدمت نظام «الآفشور» ما هو إلا دليل على القصدية المتعمدة والمماحكة السياسية بعد تحرير تدمر.
روسيا التي تشغل المرتبة الأولى من حيث احتياطات الأسلحة النووية والمرتبة الثانية في تصدير السلاح لأكثر من خمسة وخمسين دولة حول العالم، تتعرض الآن لحرب ابتزاز بالمعلومات، فأين أنت أيها العالم من جريمة الابتزاز؟
طبعا لا يمنع أن يكون ورود أسماء الشخصيات العربية من قبيل تكسير الرؤوس وتلقين الدروس، فلماذا نصدق الفضيحة؟ هل لأن السر أكثر غواية ودهشة؟ أم لأننا في سوق المتعة هذا نتسلى بالإطاحة الناعمة والدغدغة المعلوماتية والإثارة المحرمة؟
وراء هذا العالم عالم غير مرئي يمور ويغلي في الخفاء، يتغذى على الأسرار، ويتحصن بها إلى أن يكتشف أنها مجرد شرنقة وهمية أو قشرة رقيقة، تتفسخ حين تصاب الشبكة العنكبوتية بالتخمة مما يستلزم تفريغ المستودع الألكتروني من الستوكات والخردة المعلوماتية في الظرف المناسب حتى تأتي أكلها وتعود بأرباح سياسية طائلة على من يسربونها.. حسنا إذن هذا باب الأسرار، و«افتح يا سمسم» لم يعد بالإمكان مقاومة الشره المعلوماتي، الذي لا يحتاج إلى باب الاعتراف ولا يمنح تذكرة لعبور باب التوبة، فأية ستائر شفافة هي هذه الفضاءات الالكترونية التي تفضح الغيب يا الله؟
لعبة الموت
زمان لم تكن هنالك حقيقة، لأن البعد المعلوماتي، الذي تحكمت فيه القوى العظمى كان يعتمد على الإخفاء وليس الفضح، بعكس عصرنا الألكتروني هذا، فانتحار هتلر مثلا، لم يكن بنظر الكثير من المحللين والمحققين الصحافيين حقيقيا، إنما هو صفقة موت يسلم فيها خطة التسليح مقابل ضمانه لرصيد عمري أطول، بينما بقيت حكاية مقتل بن لادن طي التشكيك وضرب الأخماس بالأسداس، لأن أمريكا احتفظت بالورقة السرية في بنك معلومات غير قابل للقرصنة… يا للغرابة!
الأمر لا يتوقف على عالم السياسة والحروب والإرهاب، بل أيضا على عالم المشاهير والفن، فالفيس بريسلي لفق خبر موته كي يهرب من الأضواء ويعيش بسلام بعيدا عن انتقادات الصحافة لكرشه المتدلي، الذي كاد يودي برشاقة الصورة؟ أما مايكل جاكسون فقد تهرب من الضرائب والديون التي قلصت ثروته لستة مليارات دولار، بينما ضاعفتها لعبة الموت بعد فبركة الحقنة – إلى مليارات مصابة بالتفريخ العنقودي؟ في حين لا يعلم أحد حتى الآن كيف خرج بروسلي من فيلمه «لعبة الموت»، ميتا بعد أن قتل الجميع، ليدخل عالم الأرواح تاركا للأشباح مناديل احتياطية يجففون بها عبرات التنين فوق مقبرة الآلهة!
إنها مؤامرات لدواع أمنية أو استخباراتية، دفعت ماليزيا لإجازة قانون «الردة عن الإسلام»، في الوقت ذاته، الذي تمنع فيه التشيع منعا باتا، كما ورد في برنامج الطبعة الأولى على «دريم 2»، فهل هذه هي محطة أمريكا المقبلة بعد «نزهة المشتاق في الشام والعراق»؟!
تهريب أراض من مدرسة الحب
أما حرامية الأراضي والأوطان، الذين فاتهم أن الأرض تميز أصحابها من رائحة عرقهم ومناغاة فؤوسهم وخبطة أقدامهم، فهؤلاء مساخيط لا يليق بهم أن يحصلوا حتى على رتبة قراصنة، أو لصوص، لأن أسرارهم جبانة تنمو في الظلام كالحشرات والفطريات، ولا بد أن تدل عليهم رائحتهم النتنة وتفقيسهم الدودي، وليسوا بحاجة لخوض حرب التسريبات لأن سيماهم في معاهدات سلامهم «المخمجة».
يا أيها الحرامي، أنى وليت قفازاتك فهناك من يتلصص عليك لسرقة بصمتك الاحتياطية منك حتى يجردك من منظومتك السرية ولا يبقي لك من جريمتك سوى ما يلزمه منها لكي يفرقع هذا الفضاء الألكتروني بألعاب الحجب أو التسريب والتنفيس أو التضخيم، فإن كنت سارق أوطان، فأنت مطرود من مدرسة الحب وتحديدا « ثلاثية موطني»، التي تمسك بخيوط النجاة المتناثرة من شظية الدخان، لترقص بلا أقدام على إيقاع أرض تفغر فاها لتبتلع القذيفة وتلفظ شهداءها!
كيف يمكنك كعربي أن تراهن على عمل درامي موجع لتطبب به جراحات البحر من نزيف القوارب المطاطية أو سكاكين الحراشف الالكترونية… وأنت تعقم ضماد الأشرعة ببصاق القراصنة، وترفع وطنك كخرقة بيضاء تشوح بها لخفر السواحل وتغني احتراما للحرامي: موطني موطني!
أديبة فلسطينية تقيم في لندن