إرهاب هوليوود!
تنقسم مواقف الممثلين العرب أمام المشاركة في أفلام أمريكية الصُنع بتقديم الأدوار المتعلقة بالإرهاب إلى: من يقبل بها بعد تبرير ذلك؛ بأن براعتهم بتلك الأدوار ستكشف الكثير من الحقائق، التي لا يعرفها العالم عن الإرهابيين الحقيقيين، وعمن يقف خلفهم، يحميهم ويدعمهم؛ لتحقيق مصالحهم الخاصة، ويدافعون عن طبيعة ومحتوى تلك الأعمال السينمائية، بينما يرفض آخرون تلك الأدوار أو المشابهة لها، حيث يجدونها غير صادقة، ومسيئة لمشوارهم الفني، وأن ظهورهم فيها يرسخ قناعة أن الممثلين العرب - وخاصة المسلمين منهم - وحدهم من يجيدون تقديمها دون غيرهم من ممثلين من جنسيات وأديان أخرى.
تلعب وكالات الإنتاج السينمائي العالمية وخاصة الأمريكية منها دور الوسيط بين الممثلين العرب وصُناع تلك الأفلام، التي تتناول بمجملها الإرهاب، ويحصل مسبقاً أن تستعرض برومو تجميعي لكل ممثل منهم عن أهم أعماله السينمائية؛ وتقابله شخصياً لاحقاً، ونتيجة لعدة معايير تعتمدها، تجد أن الممثل مناسب لأداء ذلك الدور، ولا سيما أن الشخصية التي سيلعبها من أصول عربية، وغالباً لها جذور إسلامية، وهنا سؤال: لماذا يتطابق مقاس ثوب الممثل العربي (المسلم) ومقاس ثوب الإرهابي في الأفلام الأمريكية؟ رغم وجود العديد من الممثلين الأمريكيين المؤهلين والصالحين لتأدية شخصية الإرهابي، وآخرين أدوا أدوار مقاربة ومشابهة، ولكن بجرعات تمثيلية أقل تأثيراً وأكثر تعاطفاً معهم، وفي جانب آخر وعلى أرض الواقع تصاعدت وتيرة التحاق الأجانب - خاصة الأمريكان والأوروبيين منهم - بالتنظيمات الإرهابية، وتزايدت رغبة الالتحاق لدى غيرهم، وبذلك لم يعد تأدية دور الإرهابي فعل تمثيلي أو حقيقي حصري على العرب(المسلمين) فقط.
يتوارى صُناع السينما الأمريكية خلف حجة الاستعانة بالممثلين العرب لتجسيد الشخصيات العربية في نوعية من الأفلام – المذكورة آنفاً؛ بدى ذلك جلياً باختيار الممثل السوري/غسان مسعود؛ ليجسد شخصية صلاح الدين الأيوبي في فيلم "مملكة الجنة" 2005م، بينما جسد نظيريه السوري/الكسندر صديق والمصري/خالد النبوي شخصيتي قائدين في جيش الأيوبي،ويشير المؤرخون السينمائيون إلى أن أول ظهور تم تثبيته بالذاكرة السينمائية العالمية لممثل عربي كان للبناني/محمد لاقطين في فيلم صامت، وتوالت الأدوار صغيرة المساحة للممثلين العرب في الأفلام الهوليوودية حتى عام 1962م حينما كان يبحث مخرج فيلم "لورانس العرب" عن ممثل عربي يجيد عدة لغات؛ فوقع اختياره على الممثل المصري/عمر الشريف، وحدث أن رُشح من خلال دوره بالفيلم لجائزة الأوسكار، وبعد أن قدم العديد من الأدوار البارزة في أفلام تعتبر من أهم ما أنتجته السينما المصرية، وجه نظره صوب السينما الأمريكية ومن ثم الأوروبية؛ ليشارك البطولة في العديد من الأفلام، التي حققت نجاحات كبيرة، وكانت للشخصية العربية نصيبها من مشواره العالمي.
لم تكتفِ هوليوود بما مثله العرب منذ الستينيات وما بعد؛ ففي السنوات الأخيرة عادت بمخرجيها وشركات إنتاجها؛ لترفع من مستوى حضور العرب في إنتاجها السينمائي، متحججة بالنبش عن المواهب التمثيلية الشابة وسط تساؤلات عديدة للنقاد والخبراء السينمائيين العرب والأجانب: "هل بحثها جاء نتيجة حاجة حقيقةً وعن قناعة تامة بوجود مواهب تمثيلية من أصول عربية تستحق تقديمها للعالم أو أنها تستعين بها للظهور في أفلامها بحكم ضرورة إيجاد من يجسد تلك الشخصيات العربية؟"، وخصوصاً أن بريق ورهجة عالم هوليوود صار يغري الكثير من الممثلين والممثلات العرب، تزامناً مع اتهامها بأن ما تسعى له هو تحقيق مصالح للسياسات الأميركية في عدة جوانب وتوازياً مع تفاقم الصراع بينها ومن تقف خلفها من دول كإسرائيل من جانب ومن جانب آخر دول عربية ترى ذلك امتداداً لوضع العرب والمسلمين منهم في إطار غربي ضيق رسمته أمريكا سينمائياً على مر عقود، ومقابل ذلك تسعى أركان السينما العربية بما يعرف عنها من تواضع بالإنتاج بدأ بالتحسن جزئياً، مدركةً أن مفتاح العبور إلى العالمية معلق باستقطاب هوليوود لممثلين/ات ومخرجين/ات عرب، وهذا ليس بحجم استضافة ممثلـ/ـة غربيـ/ـة في فيلم عربي يفتخر بصناعته.
اقتصرت نظرة السينما الأمريكية إذن للممثلين العرب في بدايات ظهورهم بأفلامها على تقديمهم أدوار لشخصيات متشددة ومتطرفة، فيما ظهرت البلاد العربية كمجتمعات صحراوية يسكنها البدو الرُحل؛ ليُصبغ العرب والمسلمين خاصة بالجهل والتخلف؛ ويأتي دور الإعلام الغربي ليعمق تلك الصورة السلبية، ويستثنى من كل ذلك قلة من الأفلام؛ لعل أبرزها "مملكة الجنة"؛ باعتباره أول فيلم قدم صورة الأيوبي كرجل مسلم محارب يدافع بشرف عن أراضي فلسطين ضد الحملات الصليبية. لاحقاً قُدمت دراسات في عدد من الكتب لنقاد سينمائيين تركز على مدى استجابة من أسموهم بـِ "الهوليوديون العرب والمسلمين" للمشاركة في أفلامٍ من تلك النوعية، والعلاقة بينهم وهوليوود منذ نشأتها وحتى سنواتٍ قريبة ماضية، وخاصةً التالية لأحداث 11 سبتمبر؛ إلا أن أغلبها ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام العديد من التساؤلات حول انخراط بعض الممثلين العرب في هذه الظاهرة، واختلاف تجاربهم ميولهم وانجذابهم تجاه رهجة النجومية والوصول للعالمية، بغض النظر عن مكامن الأدوار – وإن كانت مهمشة ومشوهة، وما تحمله من معانٍ، وما تخلفه من انعكاسات.
يرى بعض الممثلين العرب أن لا مانع ولا ضرر من تقديم الشخصيات التي تعود لأصول عربية في بداية مشاركاتهم بالسينما العالمية، فإجادة الأدوار المحلية والتميز بأدائها، والبحث عن العمل الجيد دون النظر إلى جنسيته، وعدم الانشغال بمسمى ممثل عالمي أو محلي، جميعها يجدونها باب للنفاذ إلى العالمية، ولا يخفون رغبتهم بتقديم أدوار ليست عربية، وتفضيلهم مشاركة البطولة مع ممثلين وممثلات يحملون/يحملن ميزة العالمية، واستهداف نوعية جديدة من الجماهير حول العالم، ومع كل ذلك تبقى لا موضوعية للسينما الأمريكية بأفلامها بما تحمله من طابع سلبي تجاه الممثلين العرب(المسلمين)؛ فصانعيها على يقين من طموح الكثير منهم، ويراهنون على قبولهم؛ ليتمكنوا بنجاح من تمرير عدة رسائل من خلال الفن السينمائي، الظاهرة مباشرةً أو الخفية تبطيناً؛ لتؤثر بالغالب على عقل اللاوعي للمشاهد وخاصةً العربي، بما يسهم بتغيير انطباعاته وأفكاره حول العديد من القضايا السياسية والثقافية وغيرها.. لتُبنى مواقف لا تمت بصلة لحقيقة الواقع، وتستمر معها معاناة العربي من صورته المغلوطة، التي رُسخت في ذهن المجتمع الغربي.