الأحد 02 نوفمبر 2025 01:40 مساءً
لغة الكون ومعاهدة الوجود
ليست الثوابت أرقاماً جامدة في دفاتر الفيزياء، بل هي الأعمدة التي يتوازن عليها الكون منذ 13.8 مليار سنة. لو تغير ثابت كـ π أو G أو c لأنفرط عقد المادة وتلاشى النظام إلى فوضى كونية. تلك الثوابت هي «عهد الاستقرار» الذي مكن النجوم من الإشعاع، والماء من الجريان، والأنسان من الحياة والوعي من التأمل. إنها لغة الكون ومعاهدته الأولى مع الوجود، توقيعه الأبدي على اتفاق البقاء.
وكما أن الكون والمادة يحتاجا إلى ثوابتهما ليستقرا، يحتاج الإنسان إلى ثوابته الأخلاقية ليبقى مجتمعاً. «لا تفعل بالغير ما تكرهه لنفسك» هو قانون حفظ الطاقة الإنسانية. حين يُهمل الصدق والأمانة والعدل، ولذا لا تظهر الكوارث فجأة، بل كنتيجة منطقية لفقدان الثابت: فساد يتكاثر، وثقة تتبخر، ومدن تنهار دون زلازل. الثابت الأخلاقي هو المعادلة التي تحفظ توازن الحياة كما تحفظ المعادلات و ثوابتها الكونية ثبات الطبيعة.
إعادة تثبيت القيم لا تبدأ من القوانين بل من التجربة والذاكرة. في البيت والمدرسة تُزرع الثوابت عبر الممارسة لا التلقين، وفي المؤسسات تُحمى بالعقاب العادل، وفي الحكايات تُروى لتبقى حية في الوجدان. من يحافظ على ثوابته يصنع مجتمعه كما يحافظ π على انتظام الدائرة، فالكون آمن بثوابته، أما نحن فعلينا أن نعيد ثوابتنا لتستقر حياتنا وتثبت ذواتنا.

فيسبوك
تويتر
تيليجرام
يوتيوب
تغذية RSS