هيئة الأراضي: لماذا يفشل “الشرفاء” في مواجهة منظومة الفساد؟

تلقى الرأي العام خبر استقالة رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، سالم ثابت العولقي، دون اهتمام يذكر، فقد اعتاد الناس على استقالات المسؤولين الذين يُقال إنهم “شرفاء” في مواجهة منظومة فساد راسخة. لم تكن استقالة العولقي استثناءً، بل جاءت لتؤكد حقيقة مريرة: أن النوايا الحسنة والإخلاص للمصلحة العامة لا تكفي وحدها لمواجهة نفوذ لوبيات الفساد التي تتحكم بمفاصل الدولة.

لقد ادعى العولقي أنه عمل “بكل أمانة ومسؤولية وإخلاص للبلاد”، لكن استقالته تثير تساؤلات جوهرية حول مفهوم الشجاعة. هل الشجاعة تكمن في الانسحاب وترك المكان في حالة من الفوضى والخراب؟ أم في البقاء وكشف المتورطين بوضوح أمام الشعب، وتعريتهم، وتسميتهم بأسمائهم؟ على ما يبدو، وكغيره من المسؤولين “النظيفين” الذين حاولوا العمل في منظومة فاسدة، آثر العولقي الانسحاب، تاركًا الهيئة فريسة لتلك المنظومة التي كلفته بالمنصب. هذه الاستقالة لم تكن إلا بداية لحلقة جديدة في مسلسل الفساد الذي يدير الهيئة، فما دامت الأيادي الخفية التي تلاعبت بمصير الهيئة ما زالت في مأمن، وما دامت المنظومة الفاسدة هي نفسها التي تُسند المهام، فلن يتغير شيء.

إن هذا الفشل في مواجهة الفساد ليس مجرد حالة فردية تقتصر على رأس الهرم، بل هو نهج ممنهج يمتد إلى فروع الهيئة في المحافظات والمديريات. ففي مديرية بروم ميفع، دفع مدير فرع مكتب الهيئة السابق ثمنًا باهظًا لالتزامه بالشفافية ومحاولته تطبيق الإصلاحات. ففور تسلمه مهامه، بدأت المضايقات والانتهاكات تتوالى عليه لإفشال جهوده في محاربة الفساد. تكشف المعلومات الواردة من المديرية عن أزمة عميقة، حيث يتجلى الفساد في الآتي:

*– التلاعب ببيانات الأراضي:* في محاولة لإخفاء عمليات الفساد، تم إخفاء وتشويه قاعدة بيانات الأراضي والمخططات.

*– إزاحة الكوادر المؤهلة:* تم إزاحة المدير من منصبه، بهدف تعطيل جهود مكافحة الفساد، وإعادة موظفي الفساد الذين كانوا قد أُوقفوا عن العمل بسبب مخالفاتهم.

*– رفض الأرشفة الإلكترونية:* في خطوة تكشف عن نية مبيتة للفساد، تم رفض استلام أرشيف إلكتروني متكامل يوثق بيانات الأراضي، لمنع كشف سجلات الفساد والتلاعب.

*– مخططات وهمية وبناء عشوائي:* نتيجة لغياب الرقابة الفعالة، تم إنشاء مخططات استثمارية وهمية وتفاقم البناء العشوائي، مما أضر بالبنية التحتية.

*– تعطيل استخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS):* رغم أهمية هذه التقنية في مكافحة الفساد، إلا أنها تُعطّل وتُحتَجز “في أدراجهم”، مما يُبرز مقاومة شديدة لتبني الشفافية والمساءلة.

تؤكد هذه الممارسات أن الفساد ليس مجرد خسارة مالية، بل يؤدي إلى تفاقم النزاعات على الأراضي، وتدهور البنية التحتية، وتراجع الاستثمارات، مما يهدد مستقبل التنمية في البلاد.

*نحو مستقبل خالٍ من الفساد:*

لمواجهة هذه الأزمة، لا بد من اتخاذ خطوات جادة وفورية لمعالجة هذه الأزمة، أهمها:

*1. الإصلاحات الإدارية:* بما في ذلك تشكيل لجان تحقيق مستقلة وشفافة، وإعادة هيكلة شاملة للهيئة، وتعيين الكوادر المؤهلة على أساس الكفاءة والخبرة.

*2. التمكين التقني:* من خلال تطبيق نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في إدارة الأراضي، وبناء قواعد بيانات موثوقة، وأرشفة إلكترونية شاملة.

*3. تعزيز الشفافية وتطبيق القانون:* من خلال نشر المعلومات غير الحساسة، وتطبيق العقوبات الرادعة على المخالفين، وتشجيع مشاركة المواطنين في الإبلاغ عن الفساد.

*إن الإرادة السياسية الحقيقية، والالتزام الصارم بتطبيق القانون، وتبني الحلول التقنية الحديثة، هي الكفيلة بضمان مستقبل مزدهر لليمن، حيث يسود الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة.*