الجمعة 12 نوفمبر 2021 10:25 مساءً
أجراس الموت
هنا في وطني، شبح الموت يخيم فوق الرؤوس في كل لحظة، تفوح رائحته من كل مكان، وكأنه موسم تساقط الأرواح، يمر اليوم بين حضور مجالس العزاء ومراسيم التشييع وحفلات التأبين. لا أحدٍ بمأمن من سطوة القتل الغدر، سواء كنت مذنبًا أم بريئًا، طفلًا أو كهلًا، رجلًا أو امرأة، فأرواح الجميع هنا رهن رصاصة طائشة أو موجهة بإتقان من قناص محترف تدرب على ايدي الحرس الثوري الايراني أو خبراء من حزب الله اللبناني، أو عبوة ناسفة أو لغم مدفون تحت التراب. أطفال تُخطف أرواحها في طُرفة عين، وعجائز تزوغ أبصارها من هول الصدمة. أصبح فقدان الأبن والحفيد أمرًا اعتياديًّا، لتثور أسئلتي الحائرة، من سيكمل معي يا وطني؟، من سيذهب غدًا أنا أم أحدًا من رفاقي؟، من منهم سيشهد لحظاتي الأخيرة في هذه الحياة؟، ويقف على قبري ويدعو لي! لا أحد منَّا يعلم.
ولكن جُلُّ ما اعلمه أن الصحافة ليست جريمة، وحبّ الوطن ليس جريمة، والدفاع عن حقوق الضعفاء لم ولن يُدرج في قائمة الجرائم التي تستوجب العقاب، لا سيَّما سلب الجسد روحه أو بعثرة أشلائه. الصحافة وحرية التعبير أصبحت من سمات العصر الحديث في ارجاء المعمورة. أما في وطني المخطوف، فهي من أشد الجرائم في عقيلة الكهنوت المستبد والسفاك المتعطش للدماء، إلى الحد الذي تستوجب معه ازهاق الارواح والسجن والاختطاف والتعذيب حتى الموت والملاحقة الدائمة، فرغم أن الوظائف كافة خلال تاريخ البشرية تضمن مقابل مادي سخي لصاحبها، الا ان الصحفي في بلدي يدفع روحه وأمنه أحيانًا ثمنًا لمهنته النبيلة. بقلوب يعصرها الالم ننعى ببالغ الحزن والأسى الصحافية رشا عبد الله، وطفلهما البالغ من العمر عامين وجنينها الذي أبكي البواكي.
وختامًا لا يسعني الا أن أقول إن دماء الصحفيين اليمنيين الطاهرة ستظل وصمة عار في جبين السفاحين، ومنتهكي حقوق الإنسان من المليشيات الحوثية الإرهابية. أن الموقف الدولي الصامت حيال تلك الانتهاكات سيظل مثيرًا للتساؤل والغضب من غياب العدالة الإنسانية، والإجراءات الصارمة لملاحقة ومحاسبة تلك المليشيات، التي حولت اليمن بأكمله الى سرداق عزاء كبير شمل الجميع، لم يفرق بين طفل وامرأة وعجوز، وسيظل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه في هذا الصدد قائمًا، متى نجد رد فعل حقيقي يحقن شلال الدماء المتدفق ويعيد اليمن كما كان العالم يلقبه بالسعيد؟ هل ما يزال في العمر بقية كي نعود نمشي ونصافح الأهل والأقارب والأصدقاء في بلدنا مرة أخرى؟ أم أن تلك المصافحة ستكون على أرضٍ ملغومة بعبوات ناسفة؟